إطار الانتعاش المدينيّ في مجال الإسكان بعد الصراع في سورية. تصور منهجيّ أوليّ ماديّ واجتماعيّ واقتصاديّ

Download Report

ملخص تنفيذي

يهدف هذا التقرير إلى وضع تصوّر منهجيّ أوليّ لإطار التعافي المدينيّ (الحضريّ) في مجال الإسكان بعد الصراع في سورية. يأخذ هذا الإطار في الاعتبار التجارب السابقة للبلد في عرض وطلب المساكن والبناء بالإضافة إلى ديناميكيات سوق الإسكان. كما يأخذ في الاعتبار الحقائق على الأرض أثناء الصراع، بما في ذلك الأضرار والتدمير الجسيم والموجات غير المسبوقة للنازحين واللاجئين. ويجهد الإطار لتضمين عملية إعادة بناء المساكن في بيئتها المادية والاقتصادية والمالية والاجتماعية والقانونية والإدارية والحوكمية وكذلك في بيئة الاقتصاد السياسيّ. ويتم التركيز بشكلٍ خاص على الاهتمامات الأخلاقية لحقوق الإنسان، مع نظرة واقعية للاعتبارات المالية. وفي الواقع، يهدف وضع التصوّر المنهجيّ الأوليّ للإطار هذا إلى خلق نقاش عام، بشكلٍ رئيسي بين السوريين، وإلى تركيز البحوث القادمة على التحديات الرئيسية المعنيّة وعلى ديناميّات التفاعل بين هذه التحديات.

يُمكن تلخيص الرسائل والنتائج الرئيسية لهذا التقرير على النحو التالي:

الإطار العام

  • إنّ إعادة بناء المساكن بعد الصراع في سورية، هي في جوهرها، عملية تنموية اقتصادية واجتماعية، وعملية انتعاش، أي عمليّتان ينبغي أن تدرّان دخلاً للسكان العاملين، ما سيتيح بدوره استثمار هذا الدخل جزئيًا لإصلاح المساكن وإعادة بنائها. وفي الواقع، استمرّ بناء المساكن في سورية خلال فترة النزاع لمواكبة نموّ الأسر ونزوح السكان والأضرار والدمار. أمّا في حالة ما بعد الصراع، فيدور التحدّي حول كيفيّة زيادة جهود وقدرات البناء من أجل إعادة بناء الأحياء والمدن والقرى المتضرّرة وإعادة تنشيط الاقتصادات المحلية.
  • إنّ إعادة بناء المساكن بعد انتهاء الصراع في سورية هي عملية اجتماعية وسياسية وحوكميّة ضرورية لبناء السلام. وستؤثّر الطريقة التي سيتمّ بها التعامل مع الأحياء المتضرّرة بشدة والأحياء غير النظاميّة، وكذلك ظروف عودة النازحين واللاجئين، على البنية الاجتماعية لكلّ منطقة مدينيّة وعلى وظائفها الاقتصادية. هذا مصدر قلق أساسيّ لتجنب تكرار الصراع و/أو تقسيم البلاد. يتطلب ذلك، رغم كلّ الصعوبات التي تواجه إدارة ما بعد الصراع، وضع سياسات جيّدة التصميم على عدّة مستويات وتوجيه تنفيذها بعناية، من التخطيط الإقليمي والحضريّ إلى الإدارة المالية والنقدية.
  • لا ينبغي فهم إعادة بناء المساكن على أنّها عودة إلى وضع ما قبل الصراع. فقد أحدث الصراع تحوّلات كبيرة في البيئات الحضريّة التي كانت أصلاً قد عانت لعقودٍ من أوجه قصورٍ شديدة. إذ كان السكن العشوائيّ يمثّل قبل النزاع 30 إلى 40٪ من إجمالي المساكن في بعض المدن. وهذه ظاهرة تفاقمت أثناء النزاع. هكذا يجب أن يُنظر إلى إعادة بناء المساكن على أنّها فرصة للمساعدة في إضفاء طابعٍ نظاميٍّ على ما هو غير نظاميّ ولإنشاء بيئة مدينيّة جديدة مستدامة للغالبية العظمى من السكان. ولكن هناك مخاطِر جديّة تتنوّع بين محدوديّة الموارد المتاحة والمضاربات العقارية التي تسعى إلى الريع. كما ستفرض الظروف البنيويّة التي فرضها اقتصاد الحرب عوائق كبيرة أمام الانتعاش. وكلّ هذه الأمور تحتاج إلى معالجات.
  • هناك حاجة لوضع إطار شامل لتوجيه السياسات على كلّ الأرض السوريّة، ولكن يجب تكييف الخيارات والسياسات مع السياقات المحليّة لكلّ مدينة وحيّ. هكذا ستتطلب الأحياء النظاميّة والأخرى غير النظاميّة وكذلك التراثية في السياقات الحضريّة المختلفة مناهج مختلفة للاستفادة من الموارد المحلية والتكيّف مع الظروف المحلية. ويجب أن يتمّ تحديد هذه الخيارات والسياسات عبر تضمينٍ قوي وموافقة المجتمعات المعنية. وهذا أمر حسّاس بشكلٍ خاص فيما يتعلّق بالتعامل مع تحديات نزوح السكان.

العرض والطلب على المساكن

  • تمّ تقدير الطلب على المساكن في عام 2010 بنحو 180.000 وحدة سنويًا بسبب النمو الطبيعي للأسر، 66٪ منها مدينيّ. في ذلك العام، كان لدى البلاد مخزون مساكن يقدّر بـ 4.13 مليون مسكن، حوالي 15٪ منها غير مشغولة، لما يقدر بـ 4.17 مليون أسرة و228000 حالة زواج سنوياً. ومثّل الطلب الجديد على المساكن زيادة ضرورية في عدد المساكن بمتوسط ​​سنويّ قدره 4.4٪ (تصل إلى 6٪ في المناطق الحضرية بسبب تسارع الهجرة من الريف إلى المدن). وقد تأثّر الطلب بشدّة حينها بوصول 1.5 مليون لاجئ عراقي ثمّ عودتهم إلى بلدهم. وأدّت الفجوة في الإسكان، المتراكِمة منذ عقود، إلى تطوّر كبير في السكن غير النظاميّ، في حين تفاوتت فجوة الطلب والعرض بشكلٍ كبير بين المحافظات وبين المدن.
  • تمّ توفير عرض السكن في سورية بشكلٍ عام من قبل صغار المطوّرين العقاريين من القطاع الخاص. إذ كانت مساهمة المطوّرين الحكوميين و »التعاونيين » تاريخياً أقلّ من 25٪ من الإجمالي. وما سُمّي بـ »التعاونيات » هو شكلٌ من أشكال التنمية العقاريّة الجماعيّة المدعومة حكومياً، ولكنّها أيضاً تنتمي إلى القطاع الخاصّ. وقد بقي إطار سياسات التطوير العقاري راكداً لعقودٍ من الزمن، حيث أبقت السلطات السورية على سياسات نُدرة تحدّ من تراخيص البناء الحضريّ. وقد بلغت الفجوة ذروتها في عام 2000. وفي الواقع، جاء تنامي المشكلة جزئيّاً بسبب التأخير في إقرار المخطّطات العمرانية، ولكن أيضًا لأنّ القطاع العقاري كان مصدرًاً للريع والمحسوبية السياسية. ثمّ بدأ الوضع يتغيّر حوالي عام 2005، حيث شهدت سورية « طفرة » في البناء بلغت ذروتها في عام 2010 مع 120.000 مسكنٍ جديد. وقد ساهم هذا الازدهار في الاتجاه التضخّمي. إذ بلغت أسعار العقارات للمساكن النظاميةّ ذروتها عند مستويات تشابه مستويات عواصم البلدان الغربيّة.
  • استمرّ الطلب على المساكن خلال الصراع مع معدل النموّ الطبيعي للسكان المقيمين في المناطق الأكثر أمانًا ومع وصول السكان النازحين داخليّاً من المناطق المتضررة من النزاع. فقد وصل عدد النازحين داخلياً، مع تحول الانتفاضة إلى نزاع مسلّح في عام 2012، بحلول عام 2013 إلى حوالي 6 ملايين. ولجأ آخرون إلى خارج البلاد، وبحلول عام 2017 وصل عددهم الإجمالي إلى أكثر من 6 ملايين. هكذا ازداد الطلب بشكلٍ كبير في بعض المناطق مع فرار السكان من مناطق القتال ومع تسارع الهجرة من الريف إلى الحضر بشكلٍ أكبر. وقد تمّ استيعاب جزء من هذه الزيادة في البداية في المساكن الخالية التي تركها اللاجئون. بالتالي أفادت وكالات الأمم المتحدة أن 14٪ فقط من النازحين لجأوا إلى مخيّمات و »مواقع الملاذ الأخير » في عام 2017. وقد وصل الطلب المحليّ على المساكن أثناء النزاع إلى مستويات عالية للغاية، في مدنٍ مثل حلب وحمص، وكذلك في بعض « المحميّات الآمنة » مثل أطمة على الحدود الشمالية الغربية مع تركيا (لواء الإسكندرون). على العكس من ذلك، كان هذا الطلب منخفضاً في معظم المناطق الشمالية الشرقية.
  • كان عدد المساكن المعروضة خلال عامي 2011 و2012 أعلى من عددها عام 2010، لا سيما بسبب البناء غير النظاميّ الذي انتشر بسبب ضعف مؤسسات الدولة وربما نتيجة لسياسة « عدم تدخّل » تمّ اعتمادها. وقد استمرّ نموّ العرض ولكن بوتيرة أبطأ في السنوات التالية. إذ تشير التقديرات إلى أنّ 600 ألف مسكن تمّ بناؤها خلال الصراع. هذا بينما تسبّب الصراع في تدمير وأضرار بالغة لحوالي 328 ألف مسكن لم يعد من الممكن إعادة السكن فيها، إضافة إلى تضرّر ما بين 600 ألف ومليون مسكنٍ بشكلٍ متوسط ​​أو طفيف. وقد لوحظت بعض أنشطة الإصلاح وإعادة الإعمار المتواضعة. واللافت أنّ عمليات الدمار لم تكن جميعها ناتجة عن القتال، إذ أنّ بعضها نتج عن سياسات متعمّدة. حيث لوحظ أكبر عدد من المباني المدمّرة كليّاً في مدينة حماة، حيث تم تجريف المناطق العشوائية من قبل السلطات دون ذريعة عمليات قتالية كبرى.
  • يتركّب الطلب على المساكن في فترة ما بعد الصراع من مجموع احتياجات الإعمار بسبب النموّ الطبيعي للسكان المقيمين بالإضافة إلى احتياجات إعادة الإعمار بسبب الدمار والأضرار والنزوح. وتقدّر الحاجة إلى الإعمار لاستيعاب النموّ الطبيعي بحوالي 160 ألف وحدة سنويّاً، 70٪ منها حضريّ. كما ترتبط الاحتياجات السنويّة لإعادة الإعمار لاستعادة المخزون التالف ولاستيعاب السكان النازحين ارتباطاً مباشراً بإيقاع عودة النازحين واللاجئين. وبافتراض عودة « سريعة » في غضون 5 سنوات لكلّ النازحين واللاجئين، فمن المقدّر أن تصل هذه الاحتياجات الإضافية بين 108 إلى 242 ألف مسكنٍ آخر سنويّاً اعتمادًا على الحالة الفعليّة للمساكن المتضرّرة التي يجب تقييمها بالتفصيل في كلّ منطقة بعد إزالة الأنقاض وتنظيف مخلّفات الحرب. وبالتالي، فإن إجمالي الطلب السنوي سيتراوح بين 148٪ إلى 222٪ من مستواه عام 2010. ويختلف هذا الطلب بشكلٍ كبير من موقعٍ إلى آخر، وسيتعيّن تقييمه وفقًا للأنماط الثلاثة في المناطق النظاميّة وغير النظاميّة والمناطق التراثية.
  • في جميع الحالات، سيكون العرض من الموارد محدوداً. والموارد الفردية والمحليّة كانت دوماً هي محرِّك تعبئة الموارد في الماضي. فعلى الرغم من الاستثمار الكبير للحكومة إلى جانب عرض الإسكان، لبّى القطاع الخاصّ الجزء الأكبر من الطلب وكذلك آليّات المساعدة الذاتية في الإسكان، في حين فشلت الوسائل الماليّة لجانب العرض في الماضي في تلبية الطلب ومن المرجح أن تفشل مرّة أخرى في فترة ما بعد الصراع. هكذا يجب أن يتمّ اعتماد إطار للسياسيات بالنسبة للوسائل المالية والإدارية بحيث تدعم الطلب وتستفيد من موارد المجتمعات المحليّة. بالمقابل، يجب أن يقتصر تمويل العرض على البنية التحتيّة الأساسية، وستكون هناك حاجة إلى نهجٍ متوازنٍ بين سياسات العرض والطلب للاستفادة من قدرة المجتمعات المحليّة على التكيُّف والتأقلم.
  • يطرح العرض في المناطق العشوائية قضايا سلامة المخزون غير النظاميّ واستدامته، بالإضافة إلى مشاكل التماسك الاجتماعي والمنافسة على الأراضي الحضريّة غالية الثمن. ومن غير المحتمل أن توفّر مخطّطات تعديل طبيعة الأراضي إجابة دائمة ومستدامة لمواجهة حجم التحديات في كلِّ من الأحياء المتضررة وغير المتضررة. ومع سيناريو العودة المفترضة خلال 5 سنوات، ومع إجمالي عرض ما بين 2 إلى 3 أضعاف مستواه في عام 2010، لن تكون مخططات إعادة التطوير الحضريّ الكبيرة التي تقودها شركات التطوير العقاريّ الضخمة حلاًّ قابلاً للتطبيق. إذ أنّ القدرة على تحّمل تكاليف السكن وعدم استطاعة السكان المحرومين من الاستفادة من رأس المال الاجتماعي ستجعل مخطّطات التنمية الضخمة بعيدة عن متناول غالبيّة سكان المناطق غير النظاميّة. هكذا سيكون النهج البديل في « إضفاء طابعٍ نظاميّ على ما هو غير نظاميّ » ضروريًا لتعبئة الاقتصادات المحليّة وتزويد السكان بأمن الحيازة للاستثمار وحشد مواردهم الخاصة لإعادة الإعمار.
  • يفرض العرض بعد الصراع في المناطق التراثية المتضرّرة بشدّة، كما في حلب وحمص، تحديات رئيسة لتحقيق التوازن بين أولويّات الهوية الثقافية والأصالة، والحفاظ على التاريخ، وبين احتياجات التغيير والتحسين وزيادة الكثافة السكانيّة المحتملة. لذا يجب أن يكون هناك أولويّة للتقييم السريع لهذه المواقع وللتركيز على الاحتياجات الفنيّة والماليّة المحوريّة، وإلاّ فمن المحتمل أن تخضع البلديّات المحليّة لضغوط المضاربات. هكذا قد تتلاشى إحدى الأصول المحليّة النادرة والخاصّة اللازمة لتحقيق الانتعاش الاقتصادي على المدى الطويل بسبب الافتقار إلى المعرفة أو لأولويّاتٍ خاطئة.

البيئة القانونية

  • في معظم الحالات، لا تتكوّن المساكن غير النظامية التي نمت بشكلٍ كبير من عشوائيات فقيرة، حيث ارتبطت السمة غير النظاميّة بشكلٍ رئيسي بتراخيص البناء وبالمخطّطات الحضريّة. وقد تمّ الاعتراف بملكيّة المساكن غير النظاميّة في القانون السوري، على الرغم من أنّ الأرض التي شيّدت عليها لم يتمّ التعرّف عليها من قبل قوانين العمران المدينيّ. كما تمّ تداول العقارات غير النظاميّة في السوق، وكانت لها ديناميكيّات السوق الخاصة بها. هكذا لم يتمّ تسجيل ما بين ثلث إلى نصف جميع العقارات في المناطق الحضرية في السجلات العقاريّة الحضرية الرسميّة، مع وجود أنظمة متعدّدة ومعقّدة تؤسّس لشكلٍ من أشكال ضمانات الحيازة لسكانها. كلّ هذا لأنّ التخطيط الحضري كان قبل النزاع يتأخّر في كثيرٍ من الأحيان لأسبابٍ إدارية وقانونية عن نشاط الإعمار الفعليّ.
  • خلال سنوات الألفين، لطّفت سلسلة من التوجيهات التشريعيّة القيود المفروضة على المضاربات في الأراضي غير المطوَّرة، وألغت ضوابط الإيجار، وغيّرت قوانين الإسكان التعاوني، وسمحت بإنشاء شركات تطوير عقاري خاصّة، واتخذت إجراءات لإضفاء طابع نظاميّ على ما هو غير نظاميّ. أدّى ذلك إلى « قفزة » في البناء والإعمار وإطلاق العنان للمضاربات في الاستثمارات العقاريّة. وفي عقدٍ قصيرٍ للغاية، مكّن ذلك من زيادة هائلة في قدرة الأسواق على إنتاج نماذجٍ جديدة من الإسكان. رغم ذلك، لم تتمّ معالجة تركات السمة غير النظاميّة. وفي الواقع، بقيت حصّة المساكن غير النظاميّة تزداد على الرغم من الزيادة الكبيرة في المعروض من الأراضي النظاميّة من أجل التنمية العقاريّة. وترافق ذلك مع تداعيات خطيرة على الاقتصاد السياسي وفي قدرة الدولة على السيطرة على العملية وكبح التضخّم.
  • شهدت فترة النزاع في سورية جهودًا تشريعيّة غير مسبوقة وأكثر نشاطاً وتسريعاً من أيّة فترة سابقة. ذلك فيما يتعلّق بحقوق الملكية وإدارة المدن، فضلاً عن تطوير العقارات والإسكان. وكان هذا توجّهاً لافتاً لتحويل أنظمة الأراضي والممتلكات في زمن الحرب، ممّا سيكون له عواقب دائمة فيما يخصّ إعادة الإعمار. وقد صدرت مراسيم وقوانين مثيرة للجدل لتشجيع التنمية العقاريّة الخاصّة الكبيرة، والشراكات بين القطاعين العام والخاص (PPP) مع البلديات و/أو الأوقاف الدينية (القوانين رقم 66 لعام 2012، ورقم 19 لعام 2015، ورقم 10 لعام 2018، ورقم 31 لعام 2018). هدفت هذه المراسيم والقوانين بشكلٍ أساسي لإزالة بعض المناطق العشوائية « المتأثرّة بالحرب » دون تحديد واضح لكيفية توصيفها، ولا للإجراءات القانونية الواجبة لتحديد الأراضي وتعديل بنيتها. تجدر الإشارة إلى أنّ هذا التوجّه التشريعي ينطوي على مخاطِر ضمنيّة جسيمة فيما يتعلق بـ »الحقّ في المدينة » للسكان العائدين ويتعارض مع مبادئ بينهيرو؛ المعيار الدولي الأكثر صلة بضمان حقوق النازحين واللاجئين.
  • تلعب حقوق الإسكان والأرض والملكيّة دوراً مركزياً في ترسيخ سيادة القانون وضمان الاستقرار الاجتماعي والقانوني والاقتصادي. هذا في حين يجب أن تُعالِج ركيزة الإسكان، في أيّ إطارٍ للانتعاش المدينيّ، المطالبات المعقّدة والمطالبات الخلافيّة وكذلك احتياجات السكان النازحين والشاغلين الثانويين وكذلك المحرومين والذين في أوضاع هشّة. لذا ستكون هناك حاجة إلى نهجٍ مشابهٍ لإعلان فيينا لعام 2005 (انظر الملحق أ) لدول البلقان كي يتمّ ضمان العودة الطوعيّة للنازحين واللاجئين بأمانٍ وكرامة، وتأمين الحقّ في استعادة السكن والممتلكات، وتأكيد الحقّ والموارد اللازمة للتعويض العادل وضمان حقوق الأفراد والسكان الأكثر ضعفاً. وتمثِّل حقوق النساء في الإسكان والأرض والملكية تحديًا كبيرًا، حيث من المحتمل أن تواجه الكثير منهنّ تحيزات اجتماعية وقانونيّة. ومن المرجّح أيضاً أن يتمّ التعامل مع معظم حلول الإسكان والأرض والملكية من خلال عمليات إدارية وليس من خلال إجراءات قانونية، في حين يجب أن يحتفظ الأفراد بحقّ اللجوء إلى هيئة قضائية مستقلة إذا لم يتمّ معالجة مظالمهم.
  • أضِف أنّ هناك حاجة ماسّة لإنشاء إطارٍ شاملٍ لتنشيط قطّاع إعمار المساكن وإعادة إعمار البناء. في حين أنّه من غير المرجّح أن يعالِج الإطار القانوني الحالي تحديات ما بعد الصراع وحجمها وتعقيداتها. بالتالي تنبغي مراجعة التشريعات القديمة وإدخال تشريعات جديدة لمواجهة التحدّي المتمثِّل في الانتهاء من وضع المخطّطات التنظيميّة الحضرية الرئيسية، واستعادة سجلاّت الممتلكات المؤقتة وتوحيدها، وإضفاء الشرعية على المستوطنات غير النظاميّة، وتوفير الحوافز لتسريع إنتاج المساكن الميسورة التكلِفة، وتعويض مالكي الممتلكات المتضرّرة، وأخيراً ولكن ليس آخراً والأقلّ أهميّة حماية التراث العمراني والحفاظ عليه.

مناهج وأنماط الإسكان

  • لقد تغيّرت الوظائف الاقتصادية والاجتماعيّة للعديد من المدن خلال الصراع. وبحيث ينبغي أن يرتكِز إطار إعادة بناء المساكن على منظور التخطيط الإقليمي. وسيتعين على هذا المخطّط تقييم الحاجة إلى استيعاب النموّ الحضريّ السريع في بعض المدن، وتخفيف الضغوط الديموغرافية والبيئية وغيرها على المدن السورية الرئيسية، وضمان الاندماج الاجتماعي والاقتصادي ووحدة الأراضي السورية كلّها.
  • في إطار إعادة إعمار المساكن، ينبغي وضع مخططات تنظيميّة جديدة للمدن السورية في سياقها الإقليمي الأوسع، باعتبارها تجمّعات مترابطة ومتشابكة. ويجب التركيز بشكلٍ خاصّ على إضفاء الطابع النظاميّ على المناطق غير النظاميّة من خلال نهجٍ واقعيّ لتلبية متطلّبات التركيبة السكانيّة الحضريّة والتحوّلات الاقتصادية وتحدياتهما. لكن لن تحظى عمليات التخطيط المثاليّة التي تعتمد على موارد الدولة إلاّ بفرصٍ ضئيلة للتنفيذ نظرًا لمحدودية فرص التمويل العام. وبالمثل، يجب أن تراعي المخطّطات التنظيميّة الحضريّة القدرة المحدودة على استيعاب التطوير السكنيّ غالي الثمن والتركيز على تلبية الطلب على الإسكان الميسور التكلِفة. وليس متوقّعاً أن تتكيّف عملية التخطيط التنظيميّ التقليديّة مع حقائق النموّ الحضري بل ستتحوّل بقصدٍ أو عن غير قصد إلى أدوات لتوطين الأغنياء وحدهم والمزيد من النزوح بالنسبة للمجتمعات الهشّة. إنّ منهج التشاركية من القاعدة إلى القمّة لتطوير الأحياء والتخطيط يحظى بفرصٍ أكبر كي يشكِّل إطارًا أكثر مرونةً للإسكان والانتعاش المدينيّ.
  • يجب تصميم إطار إعادة بناء المساكن بهدف تعديل الاقتصاد السياسي بعيدًا عن المحسوبيّة التقليدية في النموّ الاقتصادي، مع وضع توليد دخلٍ للسكان كمسألة محوريّة.
  • على المستوى المحليّ، يجب أن يشمل الإطار جميع مناهج إعادة الإعمار. فمن ناحية العرض، يمكن أن يكون مزيجاً من المساكن المؤقتة، وإصلاح الأضرار، والإعمار الجديد الواسع، وأنماط « البناء المجتمعيّ » حيث تعيد المجتمعات المتضرّرة بناء مساكنها كما فعلت دائمًا في سورية. أمّا فيما يخصّ الطلب، يجب أيضاً التركيز على القضايا غير المرتبطة بالبناء بحدّ ذاته، مثل ضمانات القروض، والتمويل الصغير، ودعم الإسكان، والإعفاءات من رسوم البناء، والمهارات الفنيّة، وإضفاء الطابع النظاميّ على المناطق غير النظاميّة. هكذا يجب أن يتمّ تحديد اختيار النهج على أساس كلّ حيٍّ على حدة. بحيث يعتمد ذلك على درجة الدمار والأضرار، وهشاشة المخزون السكني، والقدرة على تحمّل تكاليف الحلول للمجتمعات المتضرّرة. كما يجب أن يتمّ ذلك بالتشاور المباشر مع السكان؛ أولئك الذين ما زالوا موجودين وكذلك النازحين أو اللاجئين إلى الخارج.
  • يجب أن يحترم إطار العمل مبادئ بينهيرو في جميع جوانبه ويضمَن تأمين حقوق الإسكان والأرض والملكيّة في عملية التخطيط والتنفيذ. كما يجب أخذ المخاوف الإضافية في الاعتبار، مثل الضغوط لتحويل الأحياء لتوطين الأغنياء وحدهم والعوامل الأخرى التي تؤدّي للنزوح الاقتصادي والاجتماعيّ الذي كثيراً ما يحدث في حالات ما بعد الصراع.

تمويل إعادة الإعمار بعد الصراع

  • لا يمكن تنفيذ إعادة بناء المساكن والانتعاش الاقتصادي والازدهار بدون نظامٍ اقتصاديّ عادلٍ وفعّال ومتكامل تديره مؤسّسات الدولة، وليس جهات خاصّة أو خارجيّة، مع مشاركة جميع أصحاب المصلحة الوطنيين والمحليين. وتتمثل التحديات الرئيسية في حالة ما بعد الصراع في ضمان استمرار عمل الاقتصاد، وتوجيه الموارد المالية نحو استعادة قدرات الإنتاج (المحليّة)، وتعبئة الموارد البشرية، وتبسيط العمليات المؤسساتيّة والإدارية، وإدارة مثل هذه القضايا الحاسمة بطريقةٍ شفافة وعادلة قادرة على معالجة الموروثات السلبية للصراع.
  • إدارة وعمل سليمان لمؤسسات الدولة التنظيميّة، مع التوازن الضروريّ بين المؤسسات المركزيّة والمحليّة.
  • ضرورة أن تتجنّب المساعدات المالية الخارجية للانتعاش بعد الصراع خلق « لعنة مساعدات » ترتبط بالأجندات السياسيّة للمانحين. بل ينبغي بدلاً من ذلك أن تساعد على دفع مسار حوكمة جديدة تضع سياسات ناجعة.
  • العقوبات (الأحاديّة الجانب المفروضة من بعض الدول) تعيق هذه العملية بشكلٍ كبير. وغالبًا ما يعزِّز اقتصاد الحرب الظروف التي تعرقِل العودة إلى الحكم الرشيد ويكرِّس اقتصاداً سياسيّاً قائماً على الفساد وعلى المصالح الذاتية لمنتفعي الحروب. كما تخلِق العقوبات حلقة مفرغة تزيد من قوّة هذه الجهات الفاعلة. ممّا يتطلب مواجهة هذه الأمور بإنشاء دورة معاكسة عبر مفاوضات حسّاسة لتحفيز الإصلاحات وتوجيه الموارد نحو جهود إعادة الإعمار.
  • خلق وظائف خارج القطاع العام يشكِّل مفتاحاً للانتعاش بعد الصراع. وهذا يعني في نهاية المطاف تصميم سياسات لخلق فرص للعمل عبر ارتباطٍ وثيق مع إعادة البناء الماديّ للإسكان وللبنى التحتية، وفقًا لتوصيات الأمين العام للأمم المتحدة. ولا يكمن الحلّ بأيّ شكل في زيادة التوظيف الحكوميّ في الخدمات العامّة والشركات الكبيرة. إذ ستتطلّب إدارة السمة غير النظامية للسكن أدوات مرِنة للاستفادة من قدرة القطاع غير النظاميّ على خلق فرص عمل لائقة، لا سيّما في قطاع البناء.
  • ضرورة أن تلعب الحكومة وسياسات البنك المركزي دورًا رئيسيًا وأكثر حسماً في إعادة الإعمار مما كان عليه الأمر ما قبل الحرب، حيث تمّ استنفاد كبير لمدّخرات الأسر أثناء الصراع. كما ستؤدّي ضرورة استقرار العملة إلى فرض ضوابطٍ صارمة على ميزان الحسابات العامّة، ما سيشكّل عائقاً أمام استيراد المواد اللازمة لإعادة الإعمار. ومن المرجَّح أن يكون التضخّم أحد أصعب التحديات التي يتوجّب مواجهتها.
  • بافتراض متوسِّط ​​تكلفة 260 دولارًا أمريكيًا للمتر المربع (بما في ذلك البنى التحتية)، كما في عام 2010، ومتوسط ​​مساحة المسكن 100 متر مربع، تقدّر التكلفة السنوية لتشييد المساكن لمواكبة النمو الطبيعي للسكان المقيمين المتبقّين بـ 4.1 مليار دولار أمريكي. ومع فرضية عودة اللاجئين والنازحين خلال 6 سنوات فقط، تتراوح التكلفة الإضافية لإعادة الإعمار خلال هذه السنوات الخمس بين 2.5 و6.0 مليار دولار أمريكي. وهذا يعني أن التكلِفة الإجمالية لإعادة البناء الماديّ لقطاع الإسكان تتراوح بين 14.0 و31.5 مليار دولار أمريكي. وسيتطلّب الجمع بين تكلفة الإعمار وإعادة الإعمار جهدًا إجماليًا يبلغ 3.9 إلى 9 أضعاف ما تمّ إنفاقه على البناء عام 2010.
  • هذه التكلفة سيتمّ دفعها بشكلٍ رئيسيّ بالعملة المحلية، مع حصّة كبيرة منها لتكلفة العمالة والأراضي ومواد البناء المحلية. ويجب أن تعالج الإدارة الجيّدة لإعادة بناء المساكن جميع القضايا الرئيسية التي تؤثِّر على أسعار البناء والحاجة إلى العملات الصعبة للواردات، وتجنّب الاختناقات.
  • يجب أن تهدف المخطّطات الإقليمية والمدينيّة الجديدة على وجه الخصوص إلى خفض تكلفة الأرض للبناء إلى الحدّ الأدنى، وإلى تشجيع تطوير مدنٍ جديدة من خلال حوافز أسعار الأراضي، كما ينبغي أن تهدف إلى خلق كثافات عمرانيّة مناسبة بغية تقليص تكلفة البنية التحتية وضمان قرب المخزون السكني الجديد من مواقع العمل.
  • تبدو الاحتياجات الإضافية للأسمنت متوفّرة في البلدان المجاورة بأسعارٍ معقولة، ومن المفترض أن تكلِّف أقلّ من 1 مليار دولار أمريكي سنويًا. رغم ذلك، لا تشكِّ القدرة على شراء الأسمنت المشكلة الوحيدة، إذ سيكون نقلها وتخزينها وتوفير الموارد المائيّة لخلط وعلاج البناء الخرساني من الأمور البالغة الأهمية.
  • وسيكون دور القروض المصرفية في إعادة الإعمار بعد الصراع أهمّ بكثير مما كان عليه قبل الصراع. إلاّ أنّه من المرجّح أن تُشكِّل قضايا الإسكان والأرض والملكيّة العقاريّة عقبات لأنّ الضمانات العقارية هي أساس قروض الإسكان وتمويل التطوير العقاريّ. وهذا يستلزم حلولٌ جريئة تستند إلى التوثيق المناسب. إن الإسكان والأرض والملكيّة العقاريّة ليست مجرّد قضايا حقوق إنسان ولكنّهم أيضاً مسائل ماليّة، كون أنّها تشكّل مفاتيح لتمويل إعادة الإعمار.
  • بالتالي يجب تكييف مخطّطات التمويل النمطيّ مع السياق السوري، حيث تميل الوسائل المالية القياسية إلى تفضيل تمويل جانب العرض مع تأثيرات مضاعفة قليلة على الاقتصاد المحليّ. لكنّ سورية تتمتّع ببيئة مؤسّسية وتنظيمية معقّدة، عامّة وخاّصة. بالتالي سيكون فهم هذه البيئة أمراً أساسياً لتقديم مزيجٍ متوازنٍ من دعم العرض ودعم الطلب للتقليل من مخاطِر الإنعاش وكبح التضخم وإنشاء اقتصادات محليّة مستدامة تبعاً للبيئة العامة لحالة ما بعد الصراع، بما في ذلك إلغاء العقوبات المفروضة على التجارة الخارجية والقطاع المالي.
  • مرّة أخرى، سيكون دور البنك المركزي أساسياً في إدارة الطرف الماليّ لعملية إعادة بناء المساكن. ويجب على البنك المركزي، بالاشتراك مع الحكومة، وضع خطّة مالية ناجِعة حيث يتم تحديد التعويضات وفقًا لمعايير واضحة لتقييم العقارات بهدف تجنيب التضخّم أو إثقال كاهل الميزانية العامة و/أو زيادة الدين العام بشكلٍ غير معقول.

اللاعبون الأساسيّون

  • أصحاب ومستخدمو المساكن هم أصحاب المصلحة الرئيسيّون في إطار الانتعاش المدينيّ. بالتالي، يجب ترسيخ حقوق الملكية والحيازة، بالإضافة إلى ترسيخ الطرق القانونية لإثبات حقوق ما قبل النزاع، ومعالجة تحوّلات منظومة بيئة السكن والأرض والملكيّات أثناء النزاع والتعامل مع الضغوطات المحتملة التي ستنشأ في مجال الإسكان والأرض والملكيات في مرحلة ما بعد الصراع. كما ينبغي تطوير إطار الانتعاش الحضري عبر خطط تمويل مناسبة تتكيّف مع مناهج إعادة الإعمار المختلفة كي يتمّ تعديلها لكلّ حيٍّ على حدة انطلاقاً من الوضع المحليّ. كما ينبغي إيلاء الأفضليّة في هذه المخططات لأنماط البناء الفرديّة، أو « البناء المجتمعيّ »، المفضّلة لدى السوريين.
  • تحسين القوانين والقواعد التي تؤطِّر عمل مطوّري العقارات المدعومين من التعاونيات أو شركات البناء العامّة الكبيرة لضمان التركيز على الأهداف الاجتماعية لعملية البناء وإعادة الإعمار.
  • تحسين القوانين والقواعد التي تؤطِّر عمل المطوّرين العقاريين الكبار من القطاع الخاص أو القطاع المشترك لحماية حقوق المالكين الأصليين، وتجنّب المصادرات للمضاربة وضمان التقييم المناسب لحقوق المالكين الأصليين.

مشاركة حقيقيّة للبلديّات والإدارات المحليّة ذات المصلحة الأساسيّة، في صنع القرارات وتشجيعها لضمان القبول الاجتماعي للسياسات وزيادة موارد المجتمع.

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *