اللاجئون والنازحون السوريّون في زمن الأزمات بين الحقوق والمجتمع والاقتصاد

refugees aita f

اللاجئون والنازحون السوريّون في زمن الأزمات

بين الحقوق والمجتمع والاقتصاد

سمير العيطة

رئيس منتدى الاقتصاديين العرب

 

المؤتمر الاقليمي الثامن

لمركز البحوث والدراسات الإستراتيجية في الجيش اللبناني

حول

 » دعم الإستقرار والتنمية في الدول العربية ومنطقة الشرق الأوسط »

 

تعيش البلدان العربيّة أزمة هجرات داخليّة وخارجيّة غير مسبوقة منذ الحرب العالميّة الأولى ونكبة فلسطين والنكسة. فقد أدّت الحرب في سورية مثلاً إلى أكبر كارثة شهدتها الإنسانيّة منذ الحرب العالميّة الثانية، حسب وصف الأمم المتحدة. وكذلك هو الأمر بالنسبة لليمن. وقد ألقت موجات النزوح والهجرة المتأزمّة هذه بثقلها ليس فقط على البلدان التي عاشت هذه الحروب داخلها وإنّما أيضاً على دول جوارها بحيث أضحى اللاجئون يشكّلون جزءاً كبيراً من سكّان البلد المُضيف.

وقد شكّلت هذه الهجرات تحدياً كبيراً للسياسات العامّة وللمؤسسات الدوليّة على السواء. وجاءت السياسات العامّة تجاه الهجرة الوافدة شديدة التنوّع والاختلاف بين بلدٍ مُضيف وآخر، تعكس الاختلافات في التركيبات الاجتماعيّة والسياسيّة والاقتصاديّة للبلدان وعلاقاتها السابقة مع البلد الذي يشهد الحرب، وكذلك تموضعها ضمن الصراعات الجيوسياسيّة الكُبرى التي تعصف في المنطقة.

 

منظومة حقوق اللاجئين والنازحين الدوليّة

تنتظم حقوق اللاجئين والنازحين انطلاقاً من الاتفاقية الدولية التي أقرّت في 28 تموز 1951[1] والتي دخلت حيّز التنفيذ في 22 نيسان 1954، وكذلك بالبروتوكول الإضافي الذي أقرّ في 31 كانون الثاني 1967 والذي دخل حيّز التنفيذ في 4 تشرين الأوّل اللاحق. إلاّ أنّ كثيراُ من الدول العربيّة ليست عضواً في هذه الاتفاقية[2]، وبالتالي في البروتوكول الإضافي. فقط مصر والسودان وتونس والجزائر والمغرب واليمن هم دول أعضاء عربيّاً، مثل تركيا وإيران بين دول الجوار. إلاّ أنّ تركيا تحدّد تطبيقها على اللاجئين من أوروبا دون غيرهم، مثل السوريين أو العراقيين أو الفلسطينيين.

تعرّف هذه الاتفاقية من هو اللاجئ وتوضح التزاماته تجاه قوانين البلد المضيف وكذلك حقوقه المبنيّة أساساً على المادة 14 من إعلان حقوق الإنسان العالمي[3] لعام 1948، الذي ينصّ على حقّ الأفراد بالسعي للجوء في دولٍ أخرى هرباً من الاضطهاد. وتشمل هذه الحقوق ذات الحقوق للمواطنين فيما يخصّ حريّة التعبير وحقوق الملكيّة الفنيّة والتعليم الابتدائي والعمل والتأمينات والمساعدات العامّة، وذات حقوق غير المواطنين المقيمين فيما يخصّ حقوق الملكيّة المنقولة وغير المنقولة وتكوين الجمعيّات والعمل لقاء أجر وممارسة المهن الحرّة والتعليم ما فوق الابتدائي وحريّة التنقّل اختيار مكان الإقامة. كما تلتزم الدول الموقعة بإعفاء اللاجئين من مبدأ المعاملة بالمثل مع الدولة الأم واحترام أحوالهم الشخصيّة وتقديم أوراق ثبوتية ووثائق سفر لهم، في حين تمتنع عن أيّ تمييز تجاههم وعن فرض أيّة ضرائب خاصّة عليهم أو عن فرض أيّة عقوبة نتيجة دخولهم غير الشرعي أو أن تطردهم أو تعيدهم قسراً إلى بلدهم الأم. ويسري حظر الإعادة القسريّة (non-refoulement) حتّى على الدول غير المنضمّة إلى الاتفاقية كجزء من القانون الدولي العرفي (المادة 33 من الاتفاقية)، خاصّة إذا كان الشخص يُمكن أن يتعرّض للتعذيب أو لعقوبات غير إنسانيّة ومهينة.

تقوم المفوضيّة السامية للاجئين بالإشراف على أوضاع اللاجئين ولكنّها ليست جهة وصائيّة تُلزم الدول الموقعة بالتنفيذ. بل تتمّ الشكوى إلى محكمة العدل الدوليّة أو إلى لجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان أو للحقوق الاقتصاديّة والاجتماعية والثقافية تنفيذاً للعهد الدولي[4] حول هذه الحقوق.  

أُنشئت المفوضيّة السامية لشؤون اللاجئين UNHCR عام 1950، أي قبل إقرار الاتفاقية، لمساعدة ملايين الأوروبيين الذين هُجّروا من ديارهم وتدمّرت مساكنهم من جرّاء الحرب العالميّة الثانية. وتقوم المفوضيّة بتأمين الحماية والمأوى والصحّة والتعليم للاجئين، ولكن أيضاً للنازحين داخليّاً[5]، كما لعديمي الجنسيّة ولطالبي اللجوء. 

 

الأزمة السوريّة ومنظومة حقوق اللاجئين في دول الجوار

منذ بداية الأحداث في سورية، خرجت أعداد كبيرة من السكّان للجوء في البلدان المجاورة كما نزحت أعدادٌ أكبر داخليّاً.

 

الأوضاع القانونيّة للجوء في لبنان

لم ينضمّ لبنان لاتفاقية 1951 ولم يوقّع على بروتوكول 1967، تخوّفاً من أن يستخدم النصّ بغرض الدفع إلى توطين اللاجئين الفلسطينيين بشكلٍ دائم. بحيث تقدّر الأمم المتحدة أنّ منظومة حماية اللاجئين في لبنان ضعيفة[6]. إلاّ أنّ لبنان يلتزم دستوريّاً بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان، بحيث تعتبر الأمم المتحدة أنّ الدستور اللبناني يفرض حُكماً حظر الإعادة القسريّة (non-refoulement) دون وجود نصّ واضح في الدستور حول الموضوع[7] ودون تواجد أنظمة قانونيّة واضحة تُعرِّف من هو لاجئ وتضبط شؤونه.

لكنّ لبنان صادق على الإعلان الأمميّ « لحماية جميع الأشخاص من التعرّض للتعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة » لعام 1984[8]، والذي ينصّ في مادته الثالثة أنّه لا يجوز لأية دولة طرف أن تطرد أي شخص أو تعيده (« refouler« ) أو أن تسلّمه إلى دولة أخرى، إذا توافرت لديها أسباب حقيقة تدعو إلى الاعتقاد بأنه سيكون في خطر التعرّض للتعذيب.تراعي السلطات المختصة لتحديد ما إذا كانت هذه الأسباب متوافرة، جميع الاعتبارات ذات الصلة، بما في ذلك، في حالة الانطباق، وجود نمط ثابت من الانتهاكات الفادحة أو الصارخة أو الجماعية لحقوق الإنسان في الدولة المعنية ».

ويقرّ قانون تنظيم دخول الجانب وإقامتهم[9] في لبنان بأنّ « الأجنبي موضوع ملاحقة أو محكوم عليه بجرم سياسي من سلطة غير لبنانية أو مهدّدة حياته أو حريته لأسباب سياسية، يمكنه أن يطلب منحه حق اللجوء السياسي » (المادة 26) وأنّه « إذا تقرّر إخراج اللاجئ السياسي فلا يجوز ترحيله إلى أرض دولة يخشى فيها على حياته أو حريته » (المادة 31). إلاّ أنّه ينصّ في المقابل (المادة 32) أنّه « يعاقب بالحبس من شهر الى ثلاث سنوات وبالغرامة من 2500 إلى 12500 ليرة وبالإخراج من لبنان » « كلّ أجنبي يدخل الأراضي اللبنانية دون التقيّد بأحكام المادة السادسة » (الدخول قانونيّاً عبر المعابر الحدودية). إلاّ أنّه نادراً ما تقوم السلطات اللبنانيّة بملاحقة أو باعتقال المتواجدين بصفة غير شرعيّة في البلاد وإعادتهم إلى بلادهم.

وقد وقّعت الحكومة اللبنانيّة في 2003 مذكرة تفاهم مع المفوضيّة السامية لشؤون اللاجئين[10] توضح أوضاع طالبي اللجوء واللاجئين لفترات مؤقتة (12 شهر كحدّ أقصى، يحقّ للحكومة بعدها طردهم). لكن لم تصدر قوانين لبنانيّة تعتمد مذكرة التفاهم هذه كأساسٍ تشريعيّ، رغم أنّها لا تقرّ رسميّاً بمبدأ حظر الإعادة القسريّة وتعتبر اللاجئين مهاجرين غير شرعيين. رغم كلّ ذلك تقوم المفوضيّة السامية للاجئين بتسجيل اللاجئين السوريين وغير الفلسطينيين وتدير شؤونهم وإغاثتهم عبر برامج تشرف عليها الحكومة اللبنانيّة[11].

بالنسبة للاجئين الفلسطينيين، تحفّظ لبنان على توقيع بروتوكول عام 1965 الذي وقّعه معظم وزراء الخارجيّة العرب والذي تأسّس على ميثاق الجامعة العربيّة وحقّ العودة. في حين لا ينصّ هذا البروتوكول سوى على خمسة حقوق للاجئين الفلسطينيين في البلدان المضيفة: حق العمل أسوة بالمواطنين، الحق في الخروج والعودة إلى البلد المضيف، الحقّ في الدخول إلى البلد المضيف إذا كانوا لاجئين في بلد عربيّ آخر، الحق بوثائق سفر، والحق بمعاملة وثائق السفر هذه مثل رعايا الدول الأعضاء. وقد أُلغي العمل بهذا البروتوكول فعليّاً منذ قرار الجامعة العربيّة في 1991 بإخضاع الفلسطينيين لقوانين كلّ بلدٍ على حدة. وما يضبط أوضاع اللاجئين الفلسطينيين في لبنان اليوم هو اتفاق القاهرة لعام 1969 الذي نصّ على حقّ العمل والتنقّل مقابل إعطاء استقلاليّة إداريّة للفلسطينيين في مخيّماتهم، بحيث يتمّ تفسير حقّ العمل أنّه كامل ضمن المخيّمات ومقيّد خارجه. أمّا ما يخصّ رعايتهم (التعليم، الصحّة، إلخ) فتنهض به وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين [12]UNRWA.   

تحتوي هذه الحقوق العامّة إشكاليّات حقيقيّة في طبيعتها. فالفلسطينيّون الذين سجّلوا لاجئين في لبنان لا يحصلون على حقوق لاجئين تنسجم مع الحقوق الدولية بما فيها حقّ العمل والحماية والدراسة والصحّة. أمّا الفلسطينيّون الذين كانوا مسجّلين لاجئين في سورية فدخولهم القانوني إلى لبنان صعبٌ جداً. رغم ذلك، وصل بعضهم بشكلٍ غير قانونيّ أثناء الحرب القائمة في سورية، وتكفّلت مؤسسة UNRWA برعاية شؤونهم داخل المخيّمات. بالنسبة للسوريين، هناك التباس أساسيّ بين من دخل لبنان بطريقة قانونيّة انطلاقاً من الاتفاقيات المرعية بين سورية ولبنان التي تسمح بالدخول والإقامة مؤقتّاً بالهويّات الشخصيّة وبين من دخل بطريقة غير شرعيّة طالباً اللجوء. جميع الآخرين تسجّلوا لدى الـUNHCR ولكنّ جزءاً فقط من الأوّلين يمكن أن يصنّف كلاجئ.

 

الأوضاع القانونيّة للجوء في الأردن

لم تنضمّ الأردن أيضاً إلى اتفاقية 1951 وبروتوكول 1967. لكنّه صادق على الإعلان الأمميّ « لحماية جميع الأشخاص من التعرّض للتعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة » لعام 1984، دون أن يكون الإعلان العالمي لحقوق الإنسان مرجعاً دستوريّاً.

ويخضع جميع الأجانب فيه، بمن فيهم اللاجئون، لقانون الإقامة وشؤون الأجانب رقم 24 لسنة 1973[13] المعدّل في 1991 وفي 2006. كما ويفترض هذا القانون أن يحصل الداخلون إلى المملكة على تأشيرة دخول وخروج، مع فتح المجال لوزير الداخليّة إمكانيّة الإعفاء من ذلك. لكنّه يحرّم عمل الأجانب إلّا إذا حصلوا على إذن إقامة، هو أصلاً مشروط بوجود موارد ماليّة.

في ظلّ هذه الأوضاع، وقّعت الأردن مذكرة تفاهم مع وزارة الداخليّة الأردنيّة في 1998 تمّ تعديلها في 2014[14]. في هذه المذكرّة، تمّ تعريف اللاجئ « هو شخص بسبب خوف له ما يبرره من التعرض للاضطهاد بسبب عرقه او دينه او جنسيته او انتمائه الى فئة اجتماعية معينة او آرائه السياسية خارج البلد التي يحمل جنسيته ولا يستطيع او لا يرغب في حماية ذلك البلد بسبب ذلك الخوف او كل من لا جنسية له وهو خارج بلد اقامته السابقة ولا يستطيع أو لا يرغب بسبب ذلك الخوف في العودة الى ذلك البلد » (المادة 1)، وتمّ تثبيت مبدأ حظر الإعادة القسريّة: « اتفق الطرفان على وجوب احترام مبدا عدم طرد او رد اي لاجئ يطلب اللجوء في المملكة الاردنية الهاشمية باي صورة الى الحدود او  الاقاليم حيث تكون حياته أو حريته مهددتان بسبب عرقه او دينه او جنسيته او انتمائه الى فئة اجتماعية معينة أو بسبب آرائه السياسية » (المادة 2). وتمّت معالجة قضيّة التخوّف من التوطين كالآتي: « إن منح اللجوء هو عمل انساني وسلمي في المقام الاول وعليه اتفق الطرفان على ضمان معاملة ملتمسي اللجوء واللاجئين وفق المعايير الدولية المعترف بها واعطاء اللاجئ مركزاً قانونياً وفقاً للآتي: يقوم مكتب المفوضية بالعمل على ايجاد حل دائم للاجئ المعترف به اما بالعودة الطوعية لبلده الام او بإعادة توطينه في بلد ثالث على ان لا تزيد الإقامة المؤقتة عن ستة أشهر » (المادة 5). وتمّ السماح للاجئين بالعمل لحسابهم أو في الأعمال الحرّة « إذا كانت القوانين واللوائح المعمول بها تسمح بذلك » (المادتين 8 و9)، ما يعيد قضيّة حقّ العمل إلى شروط عمل الأجانب.

 

الأوضاع القانونيّة للجوء في تركيا

رغم مصادقتها على اتفاقية 1951 لا تعتبر تركيا اللاجئين القادمين من بلاد غير أوروبيّة خاضعين لهذه الاتفاقيّة. وقد قامت بإصدار قوانينها الخاصّة بخصوص « الوضعيّة المؤقتة لطالبي اللجوء » غير الأوروبيين في 1994 والذي تمّ تعديله في 2013[15] (قانون رقم 6458 عن الأجانب والحماية الدولية) ليشمل الوضعيّة الخاصّة للاجئين السوريين الذين تدفّقوا بشكلٍ كبير (mass influx). يتضمّن هذا القانون صراحة مبدأ حظر الإعادة القسريّة (المادة 6) وكذلك مجمل الحقوق لمن هم في هذه « الوضعيّة المؤقتة كطالبي لجوء » في الصحة والتعليم والعمل والتأمينات الاجتماعية والترجمة وغيرها من الخدمات العامّة. وفي الواقع، وضعت جميع الإجراءات التطبيقيّة وتفسيرات هذا القانون التفصيليّ (بما فيه مثلاً كيفيّة الفصل بين المقاتلين والمدنيين) تحت سلطة هيئة تابعة لرئاسة الوزراء التركيّة (AFAD، هيئة رئاسة الوزراء لإدارة الكوارث وحالات الطوارئ[16]). واللافت أنّ هذا القانون يشمل أيضاً الفلسطينيين الذين كانوا لاجئين في سوريا وأولئك عديمي الجنسيّة مثل فئات من الأكراد الذين كانوا يقطنون في سوريا.

من ناحية أخرى، كانت تركيا قد صادقت على الاتفاقية الدولية لحماية حقوق جميع العمال المهاجرين وأفراد أسرهم
158
لعام 1990، والتي تتضمّن حقوقاً حتّى للمهاجرين غير الشرعيين، على عكس أغلب الدول العربيّة عدا الجزائر ومصر وليبيا والمغرب وسوريا وأيضاً على عكس معظم الدول الأوروبيّة.

إلاّ أنّه لا بدّ من الملاحظة أنّ المفوضيّة السامية للاجئين لا تقوم هي بتسجيل اللاجئين ومنحهم الحماية، وإنّما على عكس دول الجوار السوري الأخرى تتمّ العمليّة عبر أجهزة الحكومة التركيّة المرتبطة مباشرة برئاسة مجلس الوزراء. كذلك تعتمد المفوضيّة السامية للاجئين كما بقيّة مؤسّسات الأمم المتحدة على المعطيات التي تقدّمها الحكومة التركية وإجراءاتها منوطة بالقيود التي تفرضها الحكومة.

 

الأوضاع القانونيّة للجوء في مصر

مصر صادقت على اتفاقية 1951 إلاّ أنّها وضعت تحفظّات[17] على منح اللاجئين ذات الحقوق للمواطنين فيما يخصّ التعليم الحكومي والمساعدات الاجتماعيّة والتأمين الصحيّ، إلخ. كما صادقت على الاتفاقية الدولية لحماية حقوق جميع العمال المهاجرين وأفراد أسرهم. ورغم أنّ العرف الدولي يُلزم مصر بمبدأ حظر الإعادة القسريّة فإنّ حالات قد سًجّلت لإعادة قصريّة إلى سورية أثناء النزاع[18].

وقد وقّعت مصر في 1954 مذكرة تفاهم مع المفوضيّة السامية للاجئين، إلاّ أنّ تناقضات كثيرة قد لُحظت[19] بين مذكرة التفاهم القديمة هذه (أثناء المرحلة الانتقالية التي تلت ثورة تموز/يوليو 1952) وبين المصادقة (وإن كانت مع تحفظات) على الاتفاقية الدولية (1981) كما مع الالتزامات الدولية الأخرى لمصر في مجال حقوق الإنسان. بالتالي لا تعمل المفوضيّة السامية للاجئين في مصر إلاّ من خلال مكتب اتصال يتضمّن مكتب ثابت في القاهرة ووحدة متنقّلة يمنحا الحماية للاجئين حين يصلوا إليهما. والأمر هو ذاته بالنسبة لوكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين التي تعمل من خلال مكتب اتصال ولا تستطيع تقديم الخدمات. والوضع هو الأسوأ بالنسبة للفلسطينيين الذين كانوا مسجلين في سوريا، حيث لا يحظوا في مصر على أيّ وضع قانونيّ لا من الـUNRWA ولا من الـUNHCR.

 

الأزمة السوريّة: بين الحقوق والواقع في دول الجوار

كما يتبيّن أعلاه تختلف منظومة الحقوق اختلافاً كبيراً بين دول جوار الأزمة السوريّة. وقد نتج عنها اختلافات كبيرة في طريقة تعاطي هذه الدول مع موجات الهجرة الكثيفة للاجئين السوريين انطلاقاً من بداية الأزمة في 2011، وطريقة تنسيق هذا التعاطي مع منظّمات الأمم المتحدة التي قدّمت لها مع بعض الدول الكبرى معونات لمساعدتها في تحمّل الأعباء الناتجة عن استقبال اللاجئين.

هكذا اشارت المفوضيّة السامية للاجئين أنّها سجّلت حتّى شباط 2018 5,564,569 لاجئاً سوريّاً، توزّعوا بين مليونين تسجّلوا لديها في مصر والعراق والأردن ولبنان و3،4 مليوناً مسجّلين من قبل الحكومة التركيّة، وثلاثين ألفاً في دول المغرب العربي، بالتالي دون أولئك الذين وصلوا إلى أوروبا (حيث تقدّم 1,015,500 لاجئ سوري بطلب لجوء، 63% منهم في ألمانيا والسويد) ودول العالم الأخرى. والملاحظ أنّ أعداد هؤلاء اللاجئين قد عادت للازدياد منذ 2017 بعد أن شهدت فترة استقرار في 2016. وحدهم 460 ألفاً من هؤلاء اللاجئين متواجدون في مخيّمات (خاصّة في الأردن وتركيا) مع أعداد تميل إلى التناقص، أمّا البقيّة فيتوزّعوا في الأوساط الحضريّة والريفيّة[20].

 

اللاجئون السوريّون والفلسطينيّون في لبنان

أحصت المفوضيّة السامية للاجئين في كانون الثاني 2018 995,512 لاجئ سوري في لبنان (229 ألف أسرة) يتوزّعون في مختلف المناطق اللبنانيّة[21] (تتوجّه هذه الأعداد للانخفاض)، مقابل تقدير 5،9 مليون لمجموع سكّان لبنان. وكذلك قدّرت أعداد السوريين غير المسجّلين لديها بحوالي 500 ألف[22]. من طرفها، رصدت الأونروا أنّ 450 ألف لاجئ فلسطينيّ مسجّل في لبنان، موزّعين على 12 مخيّم، بالإضافة إلى 41 ألف فلسطينيّ من سورية لجأوا إلى لبنان بعد الحرب، تقلّص عددهم إلى 32 ألفاً في نهاية عام 2016، 90% منهم تحت خطّ الفقر.

لم يتمّ خلق أيّ مخيّم كبير للاجئين السوريين في لبنان على عكس ما حصل بالنسبة للفلسطينيين، لأسبابٍ كثيرة ربّما أهمّها أنّ دخول السوريين إلى لبنان كان في غالبيّته شرعيّاً ببطاقة الهوية حسب الأنظمة المرعيّة بين الدولتين ولأنّ الأوساط السياسية كما الشعبيّة تخوّفت من خلق أوضاع تشبه تلك للفلسطينيين مع إدارة ذاتية مسلّحة لمخيّماتهم. بالتالي توزّع السوريّون في مخيّمات صغيرة أقامتها البلديّات (عدا حالة عرسال الخاصّة في منطقة على الحدود) وضمن المدن والقرى. هذا لم يمنع من أنّ 76% من السوريين رصدوا تحت خطّ الفقر (114$ للفرد شهريّاً) و58% تحت خط الفقر المدقع (87$ للفرد في الشهر). في حين تمّ تقدير أعداد اللبنانيين في أوضاع هشّة نتيجة الأزمة بـمليون والفلسطينيين بـ289 ألفاً. هكذا توزّع الأمم المتحدة مساعدة نقديّة لـ49 ألف سوريّ و10 ألاف فلسطينيّ وألف وثلاثمئة لبنانيّ. يعيش 91% من اللاجئين السوريين دون أمن غذائي و95% من الفلسطينيين السوريين و10% من اللبنانيين. كما تقدّر الأمم المتحدة أنّ 59% بالمئة من اللاجئين السوريين في سنّ الدراسة خارج منظومة الدراسة الرسميّة وأنّ أولئك الذين يحصلون على التدريس في المدارس الرسميّة يشكّلون 50% من مجمل الطلاب. أمّا فيما يخصّ التعليم الثانوي، فلا يحظى به سوى 3% من الشباب السوريين[23]!

كثيرٌ من العمّال السوريين كانوا يعملون بشكل موسميّ أو غير مهيكل informal في لبنان قبيل الأزمة. كانت أعدادهم تقدّر على الأقلّ بـ300 ألف شكّلوا حوالى 1/7 من قوّة العمل اللبنانيّة. من المتوّقع أنّ كثيراً من هؤلاء قد جلبوا معهم عائلاتهم بعد الأزمة ولم يعودوا يستفيدوا من الخدمات والسكن الرخيص في الداخل السوريّ. إلاّ أنّه لا توجد مسوحات تبيّن الوضعيّة السابقة لأرباب عائلات اللاجئين السوريين مقارنة مع ما قبل النزاع. بل أيضاً لا تأخذ المؤسّسات الدوليّة الكبرى هذا الأمر بعين الاعتبار مع أنّه كان يشكّل سبباً لتوترات اجتماعيّة على خلفيّة التواجد العسكريّ السابق لسورية في لبنان.

بالنسبة لمنظومة الحقوق، يعاني اللاجئون أكثر ما يعانون في قضايا وضعهم القانونيّ وفي مسائل التعليم الأساسي والعالي[24] وفي حريّة حركتهم داخل لبنان وفي سفرهم إلى الخارج. في حين تأتي المعاناة في قضايا العمل أساساً في إمكانيّة العمل المهيكل formal والولوج إلى أنظمة التأمين الصحيّ، خاصّة للحساب الخاصّ وفي شركات صغيرة ومتوسطّة. في حين يبقى العمل غير المهيكل informal بأجر هو السائد خاصّة لدى اللاجئين. إذ تشير آخر المسوحات التي أقيمت بالتعاون مع منظّمة العمل الدوليّة أنّ المشتغلين في لبنان يتوزّعون بين 63% من اللبنانيين (59% منهم غير مهيكلين) و6% من الفلسطينيين (95% غير مهيكلين)[25] و18% من السوريين (99% غير مهيكلين) و13% من الأجانب الآخرين، وأغلبهم عاملات منزليّات (90% منهم غير مهكلين). لتصل مجمل نسبة غير المهكلين بين العاملين في لبنان إلى 73%[26]، أكثر من ثلثهم لبنانيّون.

هكذا يُمكن وصف تعامل الدولة اللبنانيّة بأنّه كان « سياسة اللاسياسة »[27] يغيب عنها النهج الكليّ والمؤسساتي لمواجهة التحديات التي يطرحها وصول أعداد كثيفة من اللاجئين أضحوا يشكّلون أكثر من ثلث السكّان. تحديات ديموغرافية، وفي سوق العمل، وللمالية العامّة وفي الانتقال من الإغاثة إلى التنمية. ترك الأمر للمؤسسات الدوليّة ولمئات الجمعيّات الإنسانيّة لمعالجة الأزمة دون تنسيق أو تدخّل حقيقي من الدولة.

 

اللاجئون السوريّون والفلسطينيّون في الأردن

أحصت المفوضيّة السامية للاجئين في شباط 2018 657,628 لاجئ سوري[28] (أغلبهم من حوران جنوب سوريا، وصلوا على الأخص سنتي 2012 و2013 ثمّ ثبتت الأعداد منذ 2014 كي تتقلّص قليلاً اليوم) بالإضافة إلى 66 ألف لاجئ عراقيّ و10 آلاف يمنيّ و4 آلاف سوداني، إلخ. يعيش 21% من اللاجئين السوريين في مخيّمات الزعتري (79 ألفاً) والأزرق (54 ألفاً) والإماراتي الأردني (7 آلاف). ويتمّ إحصائياً[29] القول بأنّ مليون و380 ألف سوري متواجد في الأردن!

في حين ترصد الأونروا 2,175,491 لاجئاً فلسطينيّاً مسجلين لديها[30] يتواجد أغلبهم في عشرة مخيّمات، مقابل عدد سكّان إجمالي في الأردن تخطّى 10 مليون نسمة.

اختلف تعامل السلطات الأردنيّة مع التدفّق الكبير للاجئين السوريين كثيراً مع التعامل في لبنان. فقد تأطير استقبال اللاجئين مباشرة من قبل قوى الأمن والجيش بالتعاون مع المفوضية السامية للاجئين. وتمّ فرز اللاجئين من قبل السلطات للذهاب إمّا إلى المخيّمات (غالبيّتهم في البداية ليصل سكّان الزعتري في الذروة إلى حوالى 400 ألف) أو للسكن في المدن والقرى الأردنيّة. وتمّ حصر حركة اللاجئين، خاصّة أولئك الذين في المخيّمات، حيث لم يستطيعوا الخروج إلاّ بتصريحات رسميّة من الأمن العام الأردنيّ. وقامت السلطات الأردنيّة بتنسيق عمل المؤسّسات الدولية والمنظّمات الإنسانيّة بشكلٍ دقيق. إلاّ أنّ هذه المعالجة المُدارة كان لها آثار صعبة جدّاً على اللاجئين في المخيّمات، خاصّة وأنّ الدولة الأردنيّة لم تكن قادرة على رصد الميزانيّات التي تتناسب مع الأعباء المنوطة بهذه الإدارة.  لدرجة أنّه يُمكن التساؤل إذا ما كانت « سياسة اللاسياسة » ونهوض المجتمع بأعباء الاستقبال، وإن كان أحياناً لدوافع تتعلّق بالصراعات السياسيّة المحليّة، أقلّ وطأةً على اللاجئين من سياسة مُدارة بدقّة. لكنّ من الواضح أن سياسة الاستقبال المُدارة لم تمكِّن من خلق مناطق خارجة عن القانون والأمن مثلما حدث في لبنان في عرسال مثلاً وشكّل خطراً على استقرار البلاد.  

80% من اللاجئين السوريين يعيشون تحت خطّ الفقر. هكذا تقدّم المفوضية السامية مساعدات مالية لـ30 ألف عائلة سوريّة و2800 عائلة عراقيّة. في حين تشمل مساعدات الأونروا 59 ألف مستفيد. وترصد الأمم المتحدة 28% من الأطفال السوريين في سنّ التعليم خارج المدرسة عام 2017، بعد أن كانت النسبة أكبر من ذلك بكثير. هذا بالرغم من أنّ اندماج السوريين في النظام التعليمي الأردني كان أكثر سهولة. التعليم الجامعي كان أكثر صعوبة لانتقائيّة نظام التعليم العالي الأردني الرسميّ زمن جرّاء التكاليف الباهظة للتعليم الخاص. ومن اللافت أنّ السلطات الأردنيّة لم تسمح بدخول الفلسطينيين اللاجئين في سوريا إلى أراضيها، حتّى أولئك عبر طرق غير شرعيّة.

 

اللاجئون السوريّون والفلسطينيّون في تركيا

تقدّر المفوضيّة السامية أعداد اللاجئين السوريين المسجّلين لدى الحكومة التركية[31] (وليس المفوضيّة) بـ3,506,352 ما زالوا يزدادون باضطراد. معظمهم من محافظات إدلب وحلب والرقّة. واللافت أنّه عندما جرت موجة النزوح الكبرى إلى أوروبا في 2015، مع حوالي مليون إنسان اجتازوا البحر والطرقات، لم تتناقص أعداد اللاجئين في تركيا! وأيضاً أنّ أعداد الذكور تفوق (54%) أعداد النساء.

300 ألف لاجئ سوري فقط يعيشون في مخيّمات و515 ألفاً من المتواجدين في تركيا ولدوا على خلال اللجوء وعمرهم أقلّ من 4 سنوات. ويتمركز السوريين في استنبول (540 ألفاً) وفي أورفة (460 ألفاً) واسكندرون (460 ألفاً) وعينتاب (350 ألفاً)، وتفوق أعداد السوريين في كلّس أعداد الأتراك. ولا تطال المساعدات المعيشيّة سوى 19% من اللاجئين السوريين.

في 2017، يبقى 41% من الأطفال السوريين في سنّ الدراسة في تركيا خارج المدارس؛ ولا يحظى بالمدارس الرسميّة سوى 19% منهم والباقون في مدارس مؤقتة وأهليّة. حتماً يلعب عامل اللغة دوراً في هذا الأمر، لكنّه لا يكفي لتفسير قلّة الانخراط المدرسي في ظلّ إدارة دقيقة لمجمل موجة الهجرة. وتنخفض النسب بشكلٍ كبير عندما يتعلّق الأمر بالتعليم الثانوي أو الجامعي.

أمّا بالنسبة للعمل فقد سمح لـ15 ألف سوري بالعمل نظامياً، حتّى صدر في 2016 قانون يسمح بعمل السوريين تحت الحماية المؤقتة منح 10 ألاف تصريح رسمي آخر بالعمل! هذا في حين تقدّر أعداد السوريين المشتغلين في تركيا بين 500 ألف ومليون[32]، معظمهم بصيغة غير مهيكلة في مهن وضيعة، موسميّة في الزراعة، وفي النسيج، وفي الصناعات. وكما في بلدان اللجوء الأخرى، ولكن بشكلٍ أوسع، هناك كثير من الاحتجاجات على ظروف العمل السيئة وقلّة الأجور وعمالة الأطفال. والواضح أنّ لا مصلحة لمستخدمي العمالة الرخيصة لأخذ رخص رسميّة للعمل للاجئين.

واللافت مؤخّراً أنّ الحكومة التركية أطلقت حملة تجنيس واسعة للسوريين[33]، بمبادرة منها وليس من الافراد، خاصّة لأولئك المتفوقين في الدراسة أو حملة الشهادات الجامعيّة أو أصحاب الأعمال أو السياسيين.

 

اللاجئون في دول الجوار والمساعدات الدوليّة

تدفقت المساعدات الدولية لمساعدة بلدان الجوار المضيفة للاجئين السوريين عبر مؤسسات الأمم المتحدة والمؤسسات الدولية المختلفة كما عبر جمعيّات إنسانيّة أهليّة أو حكوميّة أو شبه حكوميّة. وقد طالبت مؤسسات الأمم المتحدة بـ4،4 مليار دولار لتأدية مهمّاتها لعام 2018 علماً أنّ هذه المهمّات لا تكفي الاحتياجات. 59% منها للاجئين و41% للاستمراريّة resilience تشمل اللاجئين (5،3 مليوناً) والمجتمعات المضيفة (3،9 مليوناً).

ويبيّن جدول المعونات المطلوبة لكافة مكوّنات الأمم المتحدة (رغم أنّها لا تشمل جميع المساعدات الدوليّة، إن كانت عبر المنظّمات الإنسانيّة أو مثل المساعدات الأوروبيّة لتركيا) أعداد مواطني دول المضيفة المستهدفين بالرعاية مقارنة مع أعداد اللاجئين وحجم المعونات المطلوبة « للاستمراريّة » مقابل تلك لتلبية احتياجات اللاجئين.

البلد السوريّون اللاجئون المستهدفون بالرعاية 2018 (آلاف) المواطنون المضيفون المستهدفون بالرعاية 2018 (آلاف) المعونات المطلوبة للاجئين 2018 (مليون دولار) المعونات المطلوبة للاستمراريّة 2018 (مليون دولار)
لبنان 1000 1000 1076 857
الأردن 1380 520 691 407
تركيا 3320 1800 443 396
العراق 247 158 143 83
مصر 126 368 108 31

 

ملاحظات ختاميّة

تحمّلت جميع دول الجوار السوري عبئاً ثقيلاً جراء تدفّق أعداد كثيفة من اللاجئين السوريين مقارنة مع أعداد سكّانها محليّاً وكليّاً، لا يضاهيها عالميّاً إلاّ ما جرى بعيد الحرب العالميّة الثانية وإقليميّاً بعد كارثتي النكبة (1948) والنكسة (1967). إلاّ أنّ إدارة أزمة اللاجئين هذه لم تتمّ من خلال الاتفاقية الدولية لعام 1951 والبروتوكول الإضافي لعام 1967 الذي وإن صادقت عليه بعضها فقد حرّرت جميعها نفسها من التزاماته. يبقى أنّ النظرة إلى كيفيّة تعامل هذه الدول مع اللاجئين، السوريين والفلسطينيين الذين كانوا لاجئين في سوريا وغيرهم، لا تتمّ إلاّ من خلال احترامها لشرعة إعلان حقوق الإنسان العالميّة وبعض الأعراف والشرعات الدوليّة الأخرى التي تخصّ حظر الإعادة القسريّة أو احترام حقوق العمّال المهاجرين.

وقد اختلفت إدارة أزمة اللجوء اختلافاً كبيراً بين دول الجوار، تبعاً لحجم موجة الهجرة مقارنة مع السكّان من ناحية، ولكفاءة السياسات والإدارات الحكوميّة من ناحية أخرى، كما انطلاقاً من اعتبارات سياسيّة واجتماعيّة واقتصادية لهذه الدول.

لناحية الأوضاع القانونيّة، لا تنوط المفوضيّة السامية للاجئين بمسؤوليّة تسجيل اللاجئين كاملة وتأمين الحماية القانونيّة لهم سوى في الأردن، وبدرجة أقلّ في لبنان. بحيث تبقى مهمّاتها إغاثية ورمزيّة في الدول الأخرى. هكذا لا تُعطي جميع دول الجوار السوريّ صفة لاجئ حقيقيّة لأيٍّ من السوريين أو الفلسطينيين الذين كانوا لاجئين في سورية أو غيرهم. وحدها تركيا تضعهم ضمن نظام الحماية المؤقتة الخاضع لقوانين خاصّة بها. ويتأتّى من غياب صفة اللاجئ القانونيّة حرمانهم من حريّة الحركة في البلد المضيف ومنه إلى الخارج وكذلك من حقوق مماثلة للمواطنين رغم أنّ الواجبات القانونيّة مفروضة حُكماً عليهم.

أمام أعدادهم الكثيفة لا يتموضع أغلب اللاجئين في المخيّمات، ولا يرتبط هذا الأمر حقّاً بالتخوّف من توطين اللاجئين بقدر ما يرتبط باعتبارات أمنيّة. فقد استخدمت المخيّمات في الأردن كما في تركيا مؤقتاً لضبط التدفّق ومعالجة الحالات الأمنيّة لكلّ عائلة على حدة. وحدهم الأكثر هشاشة بقوا في المخيّمات بعد 7 سنين من الصراع، كما أولئك الذين كانوا ينتمون إلى القوّات المسلّحة السوريّة وتشكّ سلطات البلد المضيف في أسباب لجوئهم. هذا في حين، بقي جزء كبير من المقاتلين يعبرون الحدود ذهاباً وإياباً برقابة القوّات الأمنيّة. لم يسمح لبنان بذلك، وبقيت حالة عرسال استثناء لخروج هذه البلدة عن سلطة الدولة. في جميع الأحوال، بقيت أوضاع اللاجئين المحصورة إقامتهم في المخيّمات طويلاً مزرية للغاية، ما دفع الكثير منهم للعودة الطوعيّة إلى سورية متى استقرّت الأوضاع الأمنية في مناطقهم نوعاً ما وانطلاقاً من حرمانهم من حريّة الحركة في البلد المضيف.

غياب الوضعيّة القانونيّة يفتح المجال واسعاً أمام الإعادة القسريّة للاجئين إذا ما قدّرت سلطات البلد أنّ الصراع في سوريا قد انتهى وكذلك أسباب اللجوء. إلاّ أنّ هذه الإعادة القسريّة ستكون معقّدة عمليّاً عدا حالة المخيّمات، لانتشار اللاجئين بين السكّان ولأنّ كثير منهم شرعوا بالعمل في البلد المضيف أو حصلوا في حالة تركيا على الجنسيّة.

لناحية الإغاثة، اختلفت الممارسات بشكلٍ كبير. فبين الأردن ولبنان، بدت أوضاع اللاجئين أفضل في هذه الحالة الأخيرة بفضل تحرّك منظّمات المجتمع الأهلي والمساعدات التي قُدِّمَت لها دوليّاً. هذا بالرغم من الإدارة الأكثر منهجيّة من قبل الحكومة الأردنيّة التي غابت عنها الوسائل الماديّة وأبطأت إجراءاتها تحرّك المجتمع الأهلي للإغاثة.

يبقى أنّ موضوع التعليم يحمل في طيّاته قنبلة موقوتة للمستقبل على سورية ما بعد الحرب كما على البلدان المضيفة، إذ أنّ غياب نسبة كبيرة من الأطفال في سنّ الدراسة عن المدارس وقلّة عدد المنخرطين في التعليم الثانوي والجامعي يأخذ « ثقافة » هؤلاء الأطفال نحو المجهول في ظلّ تنامي المشاعر الطائفيّة (بالمعنى العريض، بما فيه القومي مثلاً تجاه الأكراد) والتطرّف.

موضوع العمل والاقتصاد يطرح أيضاً إشكاليّات كبرى. فمن ناحية، ساهم اللاجئون بشكلٍ ملحوظ في زيادة الناتج المحليّ (القيمة المضافة) في البلدان المضيفة[34] لأنّهم يد عاملة رخيصة ولأنّهم مستهلكون ولأنّ معونات دوليّة تتدفّق على البلاد لتحمّل جزء كبير من إنفاقهم. كذلك استفادت تركيا وكذلك لبنان من العقوبات الاقتصادية المفروضة على سوريا ونشطت تجارتها النظامية وغير النظامية مع سوريا[35]. بالتالي، لا يُمكن فهم منع أذونات العمل عليهم سوى للاستمرار باستخدامهم كيد عاملة رخيصة غير مهيكلة informal ولحماية بعض المؤسسات الصغيرة أو المنتهية الصغر[36] والتي تفتقر أصلاً لإمكانيّات النموّ. أضف أنّ أغلب اللاجئين في البلدان المجاورة ينتمون أصلاً إلى مناطق سوريّة متاخمة لمناطق اللجوء ويُمكن لبناء علاقات اقتصادية بين السكّان على الطرفين تأسيس روابط اقتصادية مناطقيّة عابرة للحدود يُمكن أن تشكّل بعد الحرب رافعة للنموّ الاقتصادي على الطرفين[37]. واللافت للمقارنة أنّ الإمارات العربيّة المتحدة تدير بشكلٍ مضبوط قدوم حوالي 500 ألف عامل مهاجر سنويّاً وأنّ لبنان يدير حوالي 280 عامل أجنبي غير لاجئ وأنّ الأردن يدير عمّال مهاجرين تصل نسبتهم إلى 12% من إجمالي المشتغلين في حين تبقى إدارة عمل اللاجئين إشكاليّة كبرى تحتاج لضغوطات من الجهات المانحة لتحرير قيودها قليلاً. واللافت أيضاً أنّ دول الخليج العربي تقدّم مساهمة رئيسة لإغاثة اللاجئين في دول الجوار المباشر في حين لا تستقبل اللاجئين[38] إلاّ نادراً على أراضيها، رغم تصريحات بعكس ذلك[39].

  

 

 

 

 

  

 

[1] http://www.unhcr.org/3b66c2aa10

[2] http://www.unhcr.org/protect/PROTECTION/3b73b0d63.pdf

[3] والذي ساهمت بعض الدول العربية غير المنضمة إلى اتفاقية 1951 في صياغته، كما لبنان وسوريا.

[4] الذي وقعت عليه معظم الدول العربيّة عدا عُمان وقطر والسعودية والإمارات.

[5] ترصد المفوضيّة حالياً 65 مليون نازح داخليّ و22 مليون لاجئ (5 ملايين فلسطينيّ مسجلّون لدى الأونروا و17 تحت ولاية المفوضيّة) و10 ملايين عديم الجنسيّة. أعيد توطين 190 ألف لاجئ فقط. راجع http://www.unhcr.org/ar/4be7cc27207.html

[6] راجع موقع مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الأعمال الإنسانيّة OCHA، https://reliefweb.int/sites/reliefweb.int/files/resources/legal_status_of_individuals_fleeing_syria.pdf

[7]Mario Maakaroun : La politique du Liban visi-à-vis des réfugiés sur son Territoire, Illustration du cas des Réfugiés palestiniens et syriens ; Mémoire Master 2, Université de Paris-Assas, 2013-2014.

[8] http://www.ohchr.org/AR/ProfessionalInterest/Pages/CAT.aspx

[9]قانون تنظيم الدخول الى لبنان والاقامة فيه والخروج منه، صادر في 10 تموز 1962، معدل بموجبالقانون رقم 173 تاريخ 14/2/2000 http://ahdath.justice.gov.lb/law-nearby-Foreigners.htm

[10]http://www.unhcr.org/3fd9c6a14.pdfhttp://www.frontiersruwad.org/pdf/FR_Public_Statement_MOU_Nov_2003.pdf

[11] https://reliefweb.int/report/lebanon/lebanon-crisis-response-plan-2017-2020-2018-update

[12] https://www.unrwa.org/ar/

[13] http://labour.weebly.com/uploads/6/1/4/9/6149309/_.pdf

[14] http://www.qistas.com/legislations/jor/view/99652

[15] http://www.refworld.org/cgi-bin/texis/vtx/rwmain?page=search&docid=56572fd74&skip=0&query=regulation&coi=TUR

[16] https://www.afad.gov.tr/en/

[17] http://www.unhcr.org/protection/convention/3d9abe177/reservations-declarations-1951-refugee-convention.html

[18] http://english.ahram.org.eg/NewsContent/2/8/62804/World/Region/HRW-urges-Egypt-to-halt-deportations-to-Syria.aspx

[19] http://cadmus.eui.eu/handle/1814/13442

[20] http://data.unhcr.org/syrianrefugees/regional.php

[21] http://data.unhcr.org/syrianrefugees/country.php?id=122

[22] https://data2.unhcr.org/es/documents/download/61545

[23] Lebanon Crisis response Plan 2017-2020 (2018 update).

[24] حسب مقابلات مع الجامعة اللبنانيّة، انخفضت أعداد الطلاب السوريين المسجلين في هذه الجامعة مع الأزمة. كذلك، عانى طلاب المدارس كثيراً من أنّ منظومة التعليم المدرسيّ في لبنان تعتمد اللغات الأجنبيّة لتدريس العلوم على عكس سورية والأردن مثلاً.

[25]رغم أنّ بعض المهن فتحت لهم بالقرار الوزاري 1/19 عام 2013.

[26]Samir AITA : Informal Labour in the Arab Countries, Facts and Rights; Arab Watch Report, ANND, September 2017, http://www.economistes-arabes.org/fr/informal-labor-in-the-arab-countries-facts-and-rights-the-full-report-in-english/.

[27] كمال حمدان وليا أبو خاطر: إستراتيجيّات الاستجابة لأزمة اللجوء السوري في لبنان؛ مبادرة المساحة المشتركة، 2015؛ http://www.commonspaceinitiative.org/uploads/9/5/2/1/9521202/syrian_refugee_crisis_in_lebanon_series-01-spreads.pdf

[28] http://data.unhcr.org/syrianrefugees/country.php?id=107

[29]3rd RP Regional Refugee & Resilience Plan 2018-2019 in response to the Syria crisis.

[30] https://www.unrwa.org/where-we-work/jordan

[31] http://data.unhcr.org/syrianrefugees/country.php?id=224

[32] Ahmet İçduygu& Eleni Diker : Labor Market Integration of Syrian Refugees in Turkey: From Refugees to Settlers; The Journal of Migration Studies, Volume:3, No: 1, January-June 2017, pp. 12-35 http://www.gam.gov.tr/files/5-2.pdf; Omar Kadkoy: Syrians and Labor Market Integration: Dynamics in Turkey and Germany”, The German Marshall Fund of the United States; 2017 http://www.gmfus.org/publications/syrians-and-labor-market-integration-dynamics-turkey-and-germany; ILO: Workshop on problems faced by Syrian workers, employers ad entrepreneurs in labour market and suggestions for solution – Overall Evaluation, Ankara, Turkey, 2016; http://www.ilo.org/wcmsp5/groups/public/—europe/—ro-geneva/—ilo-ankara/documents/meetingdocument/wcms_533056.pdf

[33] https://www.dailysabah.com/turkey/2017/09/23/turkey-processing-citizenship-for-50000-syrians

[34] https://reliefweb.int/sites/reliefweb.int/files/resources/Impact%20of%20Humanitarian%20Aid-UNDP-UNHCR.PDF

[35]Samir AITA : Trade without Religion between Turkey and Syria; IFRI, March 24, 2017.

[36]http://www.alquds.co.uk/?p=761421

[37] http://www.economistes-arabes.org/fr/%D9%88%D8%B1%D9%82%D8%A9-%D9%85%D9%88%D9%82%D9%81-%D9%84%D9%85%D9%86%D8%B8%D9%91%D9%85%D8%A7%D8%AA-%D9%85%D8%AC%D8%AA%D9%85%D8%B9-%D9%85%D8%AF%D9%86%D9%8A-%D8%B3%D9%88%D8%B1%D9%8A%D9%91%D8%A9-%D9%88/

[38] http://www.dw.com/ar/%D8%A7%D9%84%D8%B3%D8%B9%D9%88%D8%AF%D9%8A%D8%A9-%D9%86%D8%B9%D9%85-%D9%84%D9%84%D9%85%D8%B3%D8%A7%D8%B9%D8%AF%D8%A7%D8%AA%D9%84%D8%A7-%D9%84%D8%A7%D8%B3%D8%AA%D9%82%D8%A8%D8%A7%D9%84-%D8%A7%D9%84%D9%84%D8%A7%D8%AC%D8%A6%D9%8A%D9%86/a-18683897

[39] https://www.alhurra.com/a/saudia-says-hosted-syrian-refugees/280795.html

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *