حسان قطنا : الأمن الغذائي في سورية. مفاهيم ومؤشرات

محاضرة جمعيّة العلوم الاقتصادية السورية

 

 

الأمن الغذائي

 

مفاهيم ومؤشرات

 

المهندس الزراعي حسان قطنا

 

ورقة عمل لحلقة نقاشية بمقر الجمعية18/12/2018

 

الأمن الغذائي

مفاهيمه ومؤشراته                                

 

مقدمة:

يعتبر الأمن الغذائي ذو أولوية بالنسبة للإنسان لشموله كافة النواحي الاقتصادية والاجتماعية والبيئية التي تتكامل فيما بينها للوصول الى تحقيق الحاجات الأساسية للإنسان في الحاضر والمستقبل، وهو هدفاً رئيسياً من أهداف التنمية المستدامة الذي تعهدت دول العالم بدءاً من عام 20116 على تحقيقها استكمالاً للأهداف الألفية.

ويعد الغذاء أحد أهم الإحتياجات للسكان، والذي يتحقق من خلال تناسق السياسات والبرامج بين القطاعات الاقتصادية المختلفة كالزراعة والصناعة والتجارة والتي يواجه تحقيقها في السنوات الأخيرة صعوبات كبيرة نتيجة للتغيرات المناخية وأثر الجفاف السلبي على الانتاج الزراعي وتراجع الموارد طبيعية مع استمرار ازدياد عدد السكان وتغير الأنماط الاستهلاكية.

وخلال فترة الحرب والأزمة كسب الأمن الغذائي أهمية بالغة نتيجة تراجع الإنتاج الزراعي وأثر العقوبات الاقتصادية المفروضة على سورية وتدهور الموارد الطبيعية الأرضية والمائية وما رافق ذلك من تغير في جوانب العرض والطلب على الغذاء على المستوى الكلي وعلى المستوى المكاني والأسري، وعدم استقرار الأسواق نتيجة نشوء أسواق محلية جديدة، وتراجع مستويات الدخل، وتراجع تطبيق برامج الصحة العامة والأمان الاجتماعي.

لقد واجه الدارسون والباحثون خلال الأزمة صعوبات كبيرة في قياس مؤشرات الأمن الغذائي لعدم توفر قاعدة بيانات متكاملة ودقيقة، ولغياب القدرة على التحكم بقيادة عناصر الأمن الغذائي.

أولاً: برنامج الأمن الغذائي حسب معايير منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة/الفاو:

بالتعريف:

يتحقق الأمن الغذائي عند ضمان حصول جميع الناس وفي كافة الأوقات على القدرة المادية والاجتماعية والاقتصادية للحصول على كميات كافية من الغذاء الآمن والمغذي لتحقيق احتياجاتهم وتفضيلاتهم الغذائية ولكي يتمكنوا من الحياة حياةً سليمةً ونشطةً، ويتوجب تحقيق هذا الأمر على ثلاثة مستويات في نفس الوقت  » الفردي والأسري والوطني/الإقليمي.

 

العناصر الرئيسية للأمن الغذائي:

  1. وفرة الغذاء أو المتاح من الغذاء:

يجب أن تكون المواد الغذائية متوفرة وكافية لإطعام السكان، وبالتالي توفر الغذاء يشمل إنتاج الأغذية، والإنتاجية، وإدارة ما بعد الحصاد والتصنيع والتسويق، ويمكن إتاحة المادة الغذائية أيضاً من خلال الاستيراد عندما لا يكون لسوريا ميزة نسبية في انتاجها.

ويتم قياس توفر الغذاء بحساب اجمالي المتاح من الغذاء المعد للاستهلاك وفقاً للميزان السلعي الذي يتضمن « إجمالي المتاح = ((الإنتاج الوطني+ الواردات) – الصادرات) ».

  1. امكانية الوصول الى الغذاء:

يجب أن يتمتع الأفراد بإمكانية الوصول المادي والاجتماعي والاقتصادي الى ما يكفي من الغذاء عند الحاجة وبالتالي يشمل وصول شبكات الأمان الغذائي للفئات الضعيفة المترافقة مع الأنشطة المدرة للدخل، وتتضمن مكونات مادية وأخرى اقتصادية.

ويمكن قياسها من خلال:

–         المكونات المادية يتم تقييمها من خلال عدة مؤشرات مثل الاستقرار السياسي والأمني، ومستوى التحسن في البنية التحتيةوجودة الطرق، والتحسن في الخدمات للمناطق النائية ومدى توفر البدائل القابلة للاستخدام لتلبية متطلبات السكان، والتعويض في حالة الكوارث الطبيعية.

–         المكونات الاقتصادية يمكن قياسها من خلال الأسعار– الدخل – توزيع الدخل والإنفاق الأسري – تشغيل اليد العاملة، وإن تطور الأسعار والدخل يؤثر على الكميات المستهلكة وعلى البنية الاستهلاكية من خلال استبدال السلع المستهلكة بالتوافق مع مستويات الدخل.

  1. استقرار وجود الغذاء:

الوصول الى الغذاء وتوفيره في جميع الأوقات وبالتالي استقرار المواد الغذائية يشمل المخزون الغذائي والتخفيف من الكوارث والإجراءات القائمة على آليات السوق لإدارة المخاطر.

ويتم قياس استقرار المعروض من الغذاء وإمكانية الوصول إليه من خلال:

–         ديمومة الإنتاج والتجارة والمخزون.

–         التغيرات في الاستهلاك.

–         التغيرات في الدخل.

–         الجوع المؤقت أو المزمن.

 

  1. استخدام وسلامة الغذاء:

يجب أن تكون الأغذية سليمة ومغذية، كما يوصف الأمن الغذائي بأنه الحالة التي يكون فيها لدى جميع الناس في كافة الأوقات القدرة على الاستفادة بيولوجياً من العناصر الغذائية الكافية للعيش حياة نشطة وصحية.

ويتم قياسها من خلال عدة مؤشرات تتضمن:

–         الصحة الانسانية.

–         كمية مياه الشرب ونوعيتها.

–         الوضع التغذوي من خلال تحديد الاستهلاك من العناصر الغذائية الكبرى والصغرى عند البالغين والأطفال.

ثانياً: المؤشرات 2011-2017:

  1. وفرة الغذاء أو المتاح من الغذاء:

منذ الثمانينات من القرن الماضي عملت الحكومة على دعم الزراعة من خلال العمل على تنظيم استثمار الموارد الطبيعية الأرضية والمائية، وعلى دعم القطاع الزراعي من خلال تنظيم تجارة وتداول مستلزمات الإنتاج الزراعي مع التركيز على دعم للمحاصيل الاستراتيجية « القمح، الشعير، القطن، الشوندر السكري » وتوفير البذار المحسن بأسعار مدعومة وتوفير الخدمات المساعدة للإنتاج الزراعي النباتي والحيواني « البحوث العلمية الزراعية، الإقراض الزراعي، الإرشاد والتأهيل والتدريب والتعليم الزراعي، المكافحات العامة، الرعاية البيطرية للثروة الحيوانية، تنفيذ مشاريع التنمية الريفية وتمكين المرأة الريفية، خدمات المؤسسات العامة/الدواجن، الأبقار، الأعلاف، اكثار البذار، خدمات المديريات التنظيمية الزراعية »، كما قامت بدعم قطاع الموارد المائية من خلال توفير الاستثمارات اللازمة لاستصلاح الأراضي وإقامة السدود وتنفيذ شبكات الري الحكومية لتوفير الموارد المائية اللازمة للتوسع بالمساحات المروية المزروعة وحققت بذلك معادلة الأمن الغذائي ووصلت مساهمة القطاع الزراعي في الناتج المحلي الصافي الى 24.7% عام 2000.

إلا أن الإنتاج الزراعي بشقيه النباتي والحيواني كان يشهد معدل نمو متقلب ومتذبذب نتيجة معاناته من أزمات حادة جراء الجفاف والتغيرات المناخية خلال سنوات متعاقبة ضمن دورة مناخية شبه مستقرة، والتي ترافقت مع مجموعة التحديات التي تواجه القطاع والمتمثلة في ارتفاع معدل النمو السكاني بنسبة أكبر من معدل نمو الموارد، مما أدى الى عدم تلبية الطلب على الأراضي الزراعية، ورفع نسب التكثيف الزراعي، والاستثمار الجائر للموارد الأرضية والمائية، والتغاضي عن البعد التنموي المستدام في استثمارها، إضافة الى أثر المشاكل المتعلقة بملكية الأراضي واستخداماتها والتعدي العمراني والخدمي والصناعي على الأراضي الزراعية وخاصة الخصبة منها، وكذلك ملكية الثروة الحيوانية وتنميتها، الأمر الذي أدى الى تفتت الحيازات الزراعية، وعدم التمكن من مواكبة التطور العالمي في الأساليب الزراعية الحديثة المتطورة والمبتكرة التي تمكن المزارعين من تطوير الإنتاجية وتوفير المنتجات الزراعية المطابقة للمواصفات القياسية المطلوبة في الأسواق الخارجية، وعدم وجود نظام متطور لتسويق المنتجات الزراعية، والتي كان في حال تحققها يمكن رفع كفاءة الاستثمار الزراعي وزيادة العوائد الاقتصادية منه وتحقيق استقرار أفضل للأسرة الفلاحية.

يضاف الى ذلك عدم التمكن من رفع مستوى القطاعات الأخرى في المناطق الهشة وما تسببه من هجرة العمالة الزراعية الموسمية من الريف وتحولها الى هجرة دائمة نحو مناطق البناء العشوائي حول المدن الرئيسية ونشوء مجتمعات ضعيفة البنية الاجتماعية والاقتصادية.

وقد عملت الحكومة في فترة ما قبل الأزمة التعامل مع هذه التحديات وتنفيذ عدد من البرامج والمشاريع التنموية ومنها مشاريع استصلاح الأراضي وتنمية الموارد الطبيعية، ومشاريع التنمية الريفية المتكاملة، ومشاريع تمكين المرأة الريفية، ومشاريع تنمية وتطوير إدارة الموارد واستثمارها، ومشاريع الإنذار المبكر للجفاف والانذار المبكر للحرائق، لتعزيز مساهمة القطاع الزراعي في الاقتصاد الوطني في ظل المتغيرات الإقليمية والعالمية، حيث أفلح بعضها في ردم الهوة الناشئة عن هذه التغيرات وفشلت في بعضها الآخر وخاصة في عدم تمكنها من تحقيق التنمية المتوازنة بين المحافظات والمناطق وعدم التمكن من معالجة المشاكل المتعلقة بتفتت الحيازة الزراعية وفي جذب الاستثمارات الخاصة لرفع مساهمتها في تطوير سلاسل القيمة للإنتاج الزراعي وفي تنظيم تسويق المنتجات الزراعية.

وفي عام 2011 ومع بداية التعافي من أثر التغيرات المناخية وعودة القطاع الزراعي الى الاستقرار النسبي والتكيف مع التغير في السياسات الزراعية الجديدة وتعديل سياسات الدعم بدأ ظهور الاضطرابات الشعبية التي تحولت الى مواجهات مسلحة وفرض العقوبات الاقتصادية من المجتمع الدولي على سورية والتدخل الدولي السلبي بالشأن السوري، الأمر الذي أدى الى تراجع المساحات المزروعة من 4.5/مليون هكتار عام 2011 الى 4.1/مليون هكتار عام 2017 وتراجع المساحات المزروعة المروية من 1.4/مليون هكتار عام 2011 الى 948/ألف هكتار عام 2017، كما تراجعت الثروة الحيوانية بنسبة 30% حسب الإحصائيات الرسمية، وتراجع بذلك الإنتاج الزراعي من 18/مليون طن عام 2011 الى 10/مليون طن عام 2017.

لقد تركز تراجع الإنتاج الزراعي خلال فترة الأزمة على تراجع انتاج القمح من 3.2/مليون طن عام 2011 الى 1.2/مليون طن عام 2017، كما تراجع انتاج القطن من 470/ألف طن عام 2011 الى 124/ألف طن عام 2017، وتراجع انتاج الشوندر السكري من 1.4/مليون طن عام 2011 الى 12/ألف طن عام 2017، أما انتاج باقي الخضار والمحاصيل والأشجار المثمرة فقد استمر انتاجها بكميات متوازية ومتوازنة نسبياً بين عام 2011 وعام 2017، كما تراجع انتاج الثروة الحيوانية بالتوازي مع تراجع عدد قطيع المواشي وتوقف منشآت الدواجن عن الاستثمار حيث تراجع انتاج الحليب من 2.2/مليون طن عام 2011 الى 2/مليون طن عام 2017 وتراجع انتاج اللحم الأحمر والأبيض من 419/ألف طن عام 2011 الى 310/ألف طن عام 2017، كما تراجع انتاج البيض من 3.3/مليار بيضة عام 2011 الى انتاج 1.8/مليار بيضة عام 2017 « مع  أن هناك جهات غير رسمية تشير الى أن الإنتاج الحيواني تراجع 50% من حيث عدد القطيع وانتاجه من الحليب واللحم والبيض، ويلاحظ أنها لا تتوافق مع الاحصائيات الرسمية، مما يقتضي البحث والتدقيق والمقاربة للوصول الى الرقم الصحيح »، حيث استمر المزارعون باستثمار عوامل الإنتاج المتاحة لديهم لتأمين احتياجاتهم الذاتية من الغذاء وتوفير المنتجات الزراعية للسوق لتوفير موارد مالية لهم لتمكينهم من توفي سبل العيش لهم ولأبناء منطقتهم.

إن تراجع الإنتاج الزراعي خلال فترة الأزمة له سببين رئيسيين، الأول استمرار تضرر الزراعة نتيجة التغيرات المناخية والجفاف، وثانيهما ظروف الحرب والأضرار الناجمة عنها.

فالظروف المناخية لم تكن خلال فترة الأزمة جيدة حيث يبين الخط البياني كيف تباينت معدلات الهطول المطري خلال الفترة 2011-2017 والتي تم رصدها على مستوى المناطق الرئيسية، حيث يتضح من خلالها أن أعوام 2014-2016-2017 كانت سنوات جافة وقاسية على القطاع الزراعي وتراجع الإنتاج الزراعي خلالها بالتوازي مع تراجع معدلات هطول الأمطار:

 

 

 

 

مخطط متوسط الهطول المطري على مستوى المناطق خلال الفترة 2011-2017.

مخطط الإنتاج الزراعي من المحاصيل والخضار والأشجار المثمرة 2011-2017

 

أما أثر الحرب وأضرارها فقد كانت على مستويين الأول داخلي وما تسببت به الحرب من تدمير للبنية الاقتصادية والاجتماعية والبيئية بأشكالها وبنيتها ومكوناتها ومواردها المختلفة، والثاني خارجي نتيجة للعقوبات الاقتصادية المفروضة على سورية من المجتمع الدولي والتي كان ضررها كبيراً على الإنسان أولاً وعلى الموارد الطبيعية والبيئية والاقتصادية ثانياً.

وقد كانت الأضرار المباشرة للحرب على القطاع:

–         فقد المزارعين لوسائل الإنتاج والمعدات الزراعية ومضخات الآبار التي تعرضت للسرقة أو التخريب.

–         عدم توفر الأمن والأمان لوجود مسلحين، أو لوجود أعمال عسكرية في منطقة الأثر، أو لوجود مخلفات الحرب في الأراضي الزراعية من ألغام وغيرها، أو لتخريب بنية الأراضي الزراعية نتيجة مرور الآليات العسكرية عليها، أو تعرض بعض الأراضي للتملح نتيجة تخريب قنوات الري واغراق الأراضي عمداً أو طوعاً مما يحول دون إعادة استثمارها دون إعادة استصلاحها من جديد.

–         الهجرة الداخلية والخارجية من الريف الى مناطق أكثر أماناً واستقراراً.

–         صعوبة تأمين مستلزمات الانتاج وندرتها وارتفاع أسعارها واحتكارها « أسمدة، بذار، محروقات، مبيدات ».

–         عدم توفر السيولة المالية اللازمة لدى المزارعين لشراء مستلزمات الإنتاج بعد ارتفاع أسعارها وتوقف المصرف الزراعي التعاوني عن منح القروض الزراعية للمزارعين.

–         ارتفاع أجور النقل بعد رفع أسعار المازوت وتقاضي أجور نقل مضاعفة لتغطية صعوبات ومخاطر تسويق الإنتاج عند الانتقال من منطقة الى أخرى يسيطر على كل منها جهات مختلفة.

–         ارتفاع أجور اليد العاملة الزراعية وصعوبة تأمينها في المناطق الزراعية لتنفيذ الأعمال والخدمات الزراعية.

–         إن استمرار استثمار الأراضي لا يعني بأي حال من الأحوال أن زراعتها تتم من المزارعين أصحاب الأراضي بل هناك مساحات كبيرة يتم استثمارها من قبل أصحاب النفوذ أو من الجهات المسيطرة على الأراضي أو المناطق دون وجه حق.

ونتيجة ذلك … تفاقمت التحديات والمشكلات التي كانت تواجه القطاع الزراعي في فترة ما قبل الأزمة مع ما أضيف لها من تحديات جديدة وأهمها:

–         الأضرار التي تعرضت لها المنشآت والبنى التحتية الخاصة والعامة.

–         ارتفاع تكاليف الإنتاج الزراعي، نتيجة ارتفاع أسعار مستلزمات الإنتاج، وأجور اليد العاملة، واجور النقل، والنفقات المستورة، وتراجع الإنتاج في الوحدة الإنتاجية المستثمرة لعدم توفر الأسمدة والمبيدات والبذور من الأصناف الملائمة للمناطق البيئية وعدم التمكن من تقديم الخدمات الزراعية.

–         صعوبة النقل والتسويق وارتفاع نسبة المخاطر على الإنتاج وخاصة خلال فترة التسويق.

–         ارتفاع أسعار المنتجات الزراعية بنسبة زيادة أقل من نسبة زيادة تكاليف الإنتاج الزراعي مع تراجع القدرة الشرائية للسكان الأمر الذي أدى الى تراجع الريع المحقق من الاستثمار الزراعي واضطرار المزارعين الى تعديل الممارسات الزراعية والتكيف مع الأوضاع الراهنة والتوجه نحو زراعة المنتجات التي تحقق احتياجاتهم الغذائية على المستوى المحلي أولاً ومن ثم زراعة المحاصيل القابلة للتسويق والتي يوجد عليها طلب وتحقق لهم أعلى ربح ممكن.

–         شهدت الأسواق ارتفاع في نسبة كميات المنتجات الزراعية المعروضة للبيع مع وجود اضطرابات كبيرة في كميات المنتجات الزراعية المعروضة نتيجة استبدال بعض المساحات التي كانت تزرع بالمحاصيل الاستراتيجية « القمح، الشعير، القطن، الشوندر » بزراعة محاصيل أخرى غير مخطط لزراعتها، إضافة الى تراجع التصدير الى الحدود الدنيا وتوقف معامل الصناعات الغذائية الكبيرة عن العمل وعدم تمكن الجهات الحكومية من ضبط المساحات المزروعة مما أدى الى اضطراب ميزان العرض والطلب ضمن فترات زمنية قصيرة واضطراب الأسعار وفقدان الثقة بالأسواق وتقاذف التهم بين القطاعين العام والخاص.

–         لقد تأثر القطاع من توقف معامل الصناعات التحويلية والصناعات الغذائية، كما تأثر من تراجع التصدير بعد اغلاق المعابر الحدودية، كما تراجعت الطاقة المتاحة للتخزين نتيجة تخريب منشآت التخزين أو ارتفاع أسعار الطاقة من الكهرباء والمازوت واللذان أديا الى ارتفاع تكاليف التخزين، الأمر الذي أدى الى ارتفاع نسبة الهدر بالمنتجات الزراعية من 14% الى 30%.

–         استمرت الحكومة ضمن امكانياتها بتوفير الحد الممكن من الدعم الزراعي ومن مستلزمات الإنتاج التي كانت توفرها في فترة ما قبل الأزمة والتي انخفضت الى مستوى 8-12% مما كان عليه في فترة ما قبل الأزمة، وتم التوسع بمشاريع دعم الأسر الريفية لضمان استقرارها في الريف وتوفير مصادر العيش والدخل لها في أماكن تواجدها، وتم التركيز على دعم المشاريع الصغيرة المولدة للدخل الخاصة بالنساء الريفيات بعد ارتفاع نسبة النساء في الريف الى ما يزيد عن 70% من عدد السكان المقيمين فيه، كما تم تقديم الخدمات المساعدة للمزارعين في المحافظات والأماكن الآمنة، وأصدرت مجموعة من القوانين والقرارات التي تساعد المزارعين والمنتجين على الاستمرار بممارسة نشاطهم الزراعي.

–         لقد بلغت الخسائر المباشرة لوزارة الزراعة من الأبنية والآليات لغاية عام 2017 حوالي 115/مليار ل.س، ووصلت خسائر القطاع الزراعي الإجمالية خلال الأزمة 2011-2017 حوالي 483/مليار ليرة سورية وهي تشكل 11.6% من اجمالي الخسارة التراكمية للناتج المحلي الإجمالي للبلاد خلال الأزمة.

  1. امكانية الوصول الى الغذاء:

–         تضرر الطرقات العامة وعدم توفر الأمن والأمان عليها وخاصة في المناطق غير الآهلة بالسكان.

–         ارتفاع أسعار المحروقات وتكاليف التشغيل ومنعكساتها على ارتفاع أجور النقل المدني وأجور شحن البضائع وأثرها على ارتفاع أسعار السلع في ظل غياب الرقابة على التسعير.

–         تراجع الخدمات في كافة المناطق الحضرية والريفية والنائية التي شهدت اضطرابات وأعمال عسكرية.

–         عدم التمكن من تحقيق الرقابة على الأسعار وخاصة في ظل تأسيس أسواق جملة جديدة على المستوى المحلي وانتشار بيع المنتجات في الأماكن غير المرخصة.

–         تباين مستويات الدخل بشكل كبير بين الأسر.

–         تراجع القدرة الشرائية وتخصيص 80% من الإنفاق الأسري على الغذاء.

–         عدم معالجة سلسلة الرواتب والأجور ومعدلاتها أدى الى ارتفاع نسبة البطالة وارتفاع نسبة الطلب على العمالة في نفس الوقت.

–         أدت المعونات الغذائية المقدمة من برنامج الغذاء العالمي الى تغير العادلات الاستهلاكية للمستفيدين منها ولا تتوفر لديهم فرص عمل داعمة.

  1.  استقرار وجود الغذاء:

–         نتيجة تراجع البنى التحتية والخدمات وعدم توفر الأمن والأماكن في المناطق الريفية فقد تراجعت فرص تخزين المنتجات نتيجة توقف عدد كبير من البرادات ومعامل الصناعات الغذائية عن العمل.

–    نتيجة ارتفاع أسعار المحروقات وأجور النقل والنفقات المستورة فقد ارتفعت أسعار المنتجات الزراعية 500-1000 ضعف، مما أدى الى ارتفاع نسبة الأسر غير الآمن غذائيا واضطرار الكثير منها الى تغيير عاداتها الغذائية نحو المنتجات التي تلائم مستويات الدخل.

–         ساهمت عمليات الاحتكار والتهريب في اضطراب الأسواق وتفاوت اتاحة المنتجات فيها.

–         أثر تباين أيعار الدولار مقابل الليرة السورية على اتاحة مستلزمات الإنتاج الزراعي التي أثرت سلباً على الإنتاج المحقق.

–         أدت العقوبات الاقتصادية الدولية الى حجب استيراد مستلزمات الإنتاج من مصادر موثوقة وأثر ذلك على الإنتاج الزراعي سلياً.

  1. استخدام وسلامة الغذاء:

–         يندرج ضمنها الصحة، والوضع التغذوي من خلال تحديد الاستهلاك من العناصر الغذائية الكبرى والصغرى عند البالغين والأطفال » والمياه الصالحة للشرب، بحيث قامت المراكز البحثية المتخصصة بمراقبتها وقياسها وتبين لها تراجع مستوياتها بنسب تراوحت بين 23-35% بشكل عام.

–         بسبب الأوضاع الأمنية تراجعت القدرة على مراقبة جودة المنتجات واختبارها كما تراجعت القدرة على مراقبة مستلزمات الإنتاج من المبيدات والأسمدة والأثر المتبقي منها على المنتجات.

–         ارتفاع نسبة المخاطر من التغيرات المناخية والجفاف نتيجة عدم التمكن من تطبيق البرامج الفنية المخططة لمواجهتها.

ثالثاً: تقييم الأمن الغذائي حسب الدراسات الصادرة عن مكاتب الدراسات المحلية والمنظمات والجهات الحكومية:

  1. دراسة الأمن الغذائي في سورية/منظور كلي 2017/ مركز دمشق للأبحاث والدراسات التي خلصت لما يلي:

–          33.4% من السكان هم فاقدون لأمنهم الغذائي.

–         شهد معدل نقص الوزن عند الأطفال ارتفاعاً في ظل الأزمة متأثراً بشكل مزدوج من نقص الغذاء ونقص الخدمات الصحية وخروج عدد من مرافقها الصحية خارج نطاق النظام الصحي، أذ ارتفع المعدل حتى وصل عام 2015 الى حدود 13.2%.

  1. تقرير برنامج الأغذية العالمي “WFP” 21/5/2018:

–         إن 65.5 ألف طفل سوري تحت سن الخمس سنوات يعانون من سوء تغذية، فيما يعاني 18.700 طفل دون سن الخمس سنوات أيضًا من سوء تغذية حاد.

–         عدد النازحين داخليًا في سوريا بنحو 6.6 مليون نازح، فيما وصل عدد اللاجئين السوريين في دول الجوار والدول الأوروبية إلى نحو 5.6 مليون لاجئ وأن 6.5 مليون شخص يعانون من انعدام الأمن الغذائي، وأن 10.5/مليون من السكان بحاجة الى دعم الغذاء وسبل العيش، فيما يعيش 2.3/مليون شخص في مناطق يصعب الوصول اليها في سورية.

  1. تقرير منظمة الأغذية والزراعة 2017:

–         أصدرت المنظمة تقريرها السنوي، حول ما وصل إليه الأمن الغذائي في منطقة الشرق الأدنى وشمال إفريقيا عام 2017، وخصت في مسحها سوريا.

–          تم تقدير الاحتياجات الإنسانية في سوريا يتراوح بين 70% حتى 80% من سكان سوريا يحتاجون إلى تلك المساعدات، وأن نصف عدد سكان سوريا بالكامل بحاجة إلى مساعدات غذائية تحديدًا.

  1. تقرير المكتب المركزي للإحصاء:

–         أصدر المكتب المركزي للإحصاء إحصائية في كانون الثاني 2017، قال فيها إن 31% من سكان سوريا “غير آمنين” غذائيًا، فيما يعتبر 45% ضمن فئة المعرضين لانعدام الأمن الغذائي مهمشين.

 

وفي الختام …  فقد زادت أهمية القطاع الزراعي خلال الأزمة نظراً لدوره في توفير الأمن الغذائي الأسري وعلى مستوى المناطق المحلية والحفاظ على الحد الأدنى من الشروط المعيشية للسكان فيها، وقد استمر العمل الزراعي لتوفر عوامل الإنتاج المتمثلة بالأرض والمياه والموارد البشرية وتوفر الثروة الحيوانية والمروج والمراعي الطبيعية بنسبة 44% من مساحة سورية، حيث استطاع مالا يقل عن 60% من المزارعين الاستمرار بزراعة أراضيهم والحفاظ على حوالي 60% من الثروة الحيوانية وعلى 65% من الطاقة الإنتاجية لتربية الدواجن، وقد قاموا بتعديل أساليب الاستثمار الزراعي بحيث تم التحول نحو التوسع بزراعة المحاصيل الشتوية البعل بدلاً من الزراعات المروية بعد التخريب الذي طال مصادر الري المختلفة من الآبار وتجهيزاتها وشبكات الري الحكومية ومحطات الضخ ووسائل الري وصعوبة توفير الطاقة من الكهرباء والمازوت لتشغيل المضخات ومحركات الري « قامت الحكومة برفع الأسعار الرسمية لمادة المازوت بهدف تخفيض نسبة الدعم على الطاقة، ولمواكبة الأسعار العالمية والحد من التهريب الى دول الجوار، إلا أن عدم كفاية المادة في السوق ووجود صعوبات في نقلها من موانئ الاستيراد الى مناطق الاستهلاك في المحافظات أدى الى تضاعف سعرها في السوق السوداء نتيجة الاحتكار والفساد »، كما تم استبدال بعض المساحات المزروعة بالخضار الشتوية « الحساسة للنقل والتخزين ولا يتم تسويقها إلا طازجة لقابليتها للتلف » بزراعة المحاصيل الشتوية الحبية القابلة للتخزين، إضافة الى استبدال بعض المساحات المزروعة بمحصول القمح بزراعة محصول الشعير العلفي الذي يستخدم كأعلاف لتغذية الثروة الحيوانية، كما انتشرت زراعة محاصيل التوابل في الأراضي الخصبة التي كانت مخصصة لزراعة محصول القمح نتيجة ارتفاع الطلب عليها من التجار لتصديرها الى دول الجوار عبر المعابر غير النظامية، كما توجه المزارعون نحو العودة لزراعة الحيازات الصغيرة الواقعة حول القرى والمدن والحدائق المنزلية لتوفير حاجة السكان من الغذاء على المستوى المحلي والتخلص من التحديات التي تواجه نقل المنتجات الى مناطق أخرى وتلافي مخاطر النقل وتكاليفه وخاصة في المناطق التي تشهد أعمال عسكرية أو لا يتوفر فيها الأمن والأمان على الطرقات.

لقد اختلفت آليات عمل القطاع الزراعي بين منطقة وأخرى من البلاد وفقاً للظروف الأمنية والقواعد الموضوعة من الجهات المسيطرة على المناطق بعد أن ساد في سورية مناطق نفوذ خاصة بفصيل أو جهة أو جيش، وقد عانى من استطاع الاستمرار بالزراعة من: تحديات توفير مستلزمات الإنتاج « من حيث الكمية، والنوع، والأسعار، والمواصفات، ومواعيد تأمينها وتوفيرها »، ومن تسويق منتجاته حيث تراجعت الكميات المسوقة الى المؤسسات الحكومية من القمح والقطن والشوندر وتراجعت الكميات المسوقة الى أسواق الجملة المركزية الواقعة في مراكز المحافظات وتم التحول بتسويقها الى الأسواق الجديدة التي تم احداثها على مستوى المناطق الإدارية التي تتوفر فيها كثافة سكانية عالية لتسويق المنتجات الزراعية واضطرار المزارعين في كثير من الأحيان القبول بالشروط المجحفة الموضوعة من قبل من يدير هذه المناطق.

 

 

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *